تربي جيلنا الذي ولد في خمسينات القرن الماضي علي أن الغرب الذي تآمر علينا واحتل بلادنا ونهب خيراتها هو العدو. ألا يكون الغرب هو المسئول الأوحد عما لحق بنا من تخلف وضعف وهوان فهذا لا ينفي أنه المستفيد الأول من هذا الضعف والهوان وأن هذه الاستفادة تمثلت في نظام دولي جائر يجعل من عالمنا العربي والإسلامي مجرد تابع يدور في الفلك الغربي المسمي بالنظام الدولي وآلياته المستخدمة في تركيع الشعوب التابعة بدءا من هيمنته علي الاقتصاد العالمي مرورا بمجلس الأمن وقراراته وصولا إلي محكمة الغرب الدولية لمعاقبة (قتلة رئيس وزراء لبنان الأسبق رفيق الحريري). تربينا أيضا علي أن هذا الغرب قام بزرع الكيان الصهيوني في قلب العالم العربي ليستخدمه كأداة لبث الخوف من أي محاولة للتمرد علي أوامر الغرب وإملاءاته وقد تحقق هذا بالفعل عندما سارعت أغلب النظم العربية لتوقيع اتفاقات للصلح مع هذا العدو بعد أن تلقت عدة ضربات موجعة أخطرها بكل تأكيد ما حدث عام 1967. الذين تصالحوا مع هذا العدو لم ولن يسلموا من ضرره وأذاه خاصة أن سياسة إيقاع الأذي بالعرب لم تنبع من مجرد الرغبة في كف الأذي الآتي من الناحية الأخري ثم العيش في سلام بل جاءت انطلاقا من كراهية مزمنة لخصومها، لا فارق بين من قالوا لها لا أو من قالوا نعم أو حتي من غنوا لها: (نعم يا حبيبي نعم)!!. أنا القانون! الحديث إذا عن (النظام الدولي) وآلياته وقوانينه لا يعدو كونه حديثا عن الرضوخ لهذا الغرب ومعاييره الأخلاقية رغم أن أصدقاء الغرب وحلفاءه لا يكفون عن التنديد الخجول بازدواجية معاييره وانتقائيتها ولكنهم لا يقرنون هذا التنديد بأي موقف مناهض لهذه الازدواجية التي أكلت اللحم منهم والعظم كما أنهم وعندما يكشر الغرب عن أنيابه ويكشف لهم عن وجهه القبيح يتحولون إلي مقاتلين أشداء دفاعا عن (عدالة الغرب الانتقائية) ومنددين أشاوس بكل من يحاول الوقوف في مواجهة (القطار الغربي المندفع نحو غاياته) واصفين إياه (بالخبل والجنون)!!. النظام الدولي الذي أقامه الغرب ويرعاه الذئب الأمريكي هو نظام (المطففين الذين إذا اكتالوا علي الناس يستوفون وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون) وهو نظام يضع القانون ويعين المحققين والقضاة ويوجه الاتهام ويحرم المتهم من حق الدفاع ويوجه الرأي العام ويري أنه قسيم النار فيقول لها هذا عدوي فخذيه وهذا وليي فاتركيه!!. قبل بضعة أسابيع وفي جلسة عقدها الكونجرس الأمريكي قال جيفري فيلتمان مساعد وزير الخارجية الأمريكية لشئون الشرق الأوسط ما نصه: إن العقبة الرئيسية للسلام والاستقرار بين إسرائيل ولبنان هي ترسانة «حزب الله» واستعداده المؤكد لاستخدامها. نحن نفهم بوضوح أن السلام الشامل لا يمكن أن يأتي علي حساب المصالح اللبنانية، ونحن نتفهم تماماً حساسية قضية اللاجئين الفلسطينيين في لبنان الذين يتوقون، ويستحقون دولة فلسطينية قابلة للحياة يمكن أن يطلق عليها اسم الوطن. ولكن أسلحة حزب الله وتحديه للمجتمع الدولي يبعدنا ولا يقربنا من السلام الشامل الذي تم تصوره في مبادرة السلام العربية المدعومة بالإجماع من جامعة الدول العربية والتي أعلن عنها في بيروت عام 2002، وفي المقابل تتمتع إيران و«حزب الله» برؤية مختلفة للغاية، ولا يظهر أي منهما أي علامات لقبول حق إسرائيل في الوجود. إن إصرار «حزب الله» علي البقاء مسلحاً، وعدوانياً، وغير مسئول يهدد الأهداف والمصالح الأمريكية المهمة، سيما مصالح السلام في الشرق الأوسط والأمن الإقليمي، في احتواء انتشار الأسلحة المزعزعة للاستقرار وتمويل الإرهاب، وفي تحول لبنان الي دولة ديمقراطية وقوية ومستقلة. انتهي. الجرم الذي ارتكبه كل من حزب الله وإيران حسب السيد فيلتمان هو (امتلاك رؤية مختلفة للغاية) عن تلك التي يتبناها الغرب كما أنه لم تظهر عليهما أعراض أو علامات القبول بحق إسرائيل في الوجود) المتمثلة فيما يسمي (مبادرة السلام العربية) التي أطلقت قبل 8 أعوام ووصفها شارون بأنها لا تساوي قيمة الحبر الذي كتبت به!!. (العدالة الدولية) التي يتحدث عنها سدنة النظام الاستكباري العالمي والتي تدعي أنها تريد القصاص للقتيل من القاتل هي نفسها التي تمنح إسرائيل (براءة ذمة) من جريمة غزو واستباحة لبنان بعد 25 عاما من الإبادة والتدمير دون محاسبة وتصف أسلحة المقاومين بأنها ترسانة تهدد السلام والاستقرار في المنطقة!!. العدالة الأمريكية الدولية تعطي إسرائيل الحق في اجتياح لبنان وقتما تشاء وتعتبر أن انسحابها تحت وطأة ضربات المقاومة (مكرمة تعبر عن حبها للسلام) وتري أن من حق هذا الكيان المعتدي أن يدخل إلي هذا البلد وقتما يشاء (لقتل ونسف وتفخيخ من يراهم إرهابيين يهددون أمنه)!!. العدالة الأمريكية العدالة الأمريكية تري في جيش الصهاينة شرطة تنفذ القانون الدولي في أعالي البحار وفي أجواء الدول المستباحة وتري في المقاومين مجرد عصابات خارجة عن قانون إيكا أو أمريكا الذي يراه هؤلاء وأصدقاؤهم في المنطقة (قانونا مكتوبا علي الجبين لا بد أن تراه العين)!!. هذا هو جوهر الصراع الدائر الآن حول (محكمة قتلة رفيق الحريري) التي يراد من خلالها تشليح ما بقي من أردية المنطقة وإجبارها علي التوقيع علي صك تصفية ما تبقي من مطالبات سياسية وحقوقية، هذا وإلا أخرج الحاوي فيلتمان ما تبقي في جرابه من حيل ومؤامرات ولأصدر مجلس الأمن ما بقي في جعبته من قرارات!. إنها سياسة حافة الهاوية (تكون أمريكا أو لا تكون). إنها علي ما يبدو المواجهة الحاسمة: (قَدِ اسْتَطْعَمُوكُمُ الْقِتَالَ، فَأَقِرُّوا عَلَي مَذَلَّة، وَتَأْخِيرِ مَحَلَّة، أَوْ رَوُّوا السُّيوفَ مِنَ الدِّمَاءِ تَرْوَوْا مِنَ الْمَاءِ، فَالمَوْتُ في حَياتِكُمْ مَقْهُورِينَ، وَالْحَياةُ في مَوْتِكُمْ قَاهِرِينَ).