سأبدأ بسؤال قد لا يتقبله اليعض بسهولة ويراه أخرون صادما… ماذا لو رسم طفل صورة الملك لحظة بداية الوحى وهو يضمه قائلا اقرا؟ وكيف يتعامل الأب أو المعلم معه؟ وكيف ينظر إليه المجتمع؟ وهل سيجد من يحاوره؟ أم هو العقاب لتجاسره على المقدس والغيبى هل سيدور النقاش حول المخيلة، والحضور الساطع للغائب، والبعيد، ويجد من يقول له بلطف أن التجسيد يفقد مساحة من التقديس لابد منها، غلبا سيعاقب دون أن ينتبه أحد إلى حقه الطبيعى فى التفكير، وتوجيه عقله لمزيد من الإبداع مع احترام العقائد، ولن نجد من يقول أن تخبل الملاك فى غار ثور وقد أتى بالناموس إلى النبى ( ص) ذهنيا أكثر سموا، وروعة من الخطوط التى يمكن أن تصور تخيل الأطفال لتلك اللحظة، ونجد الطفل إما متمردا على قيم المجتمع كرد فعل على نبذه وعقابه، أو مستكينا لما لا يفهمه ويضع عقله فى أذنيه صاغرا لما يملى عليه، وهذا التصور ليس بداية لرواية تبدا من السؤال البادى بريئا لتضع المجتمع على طاولة البحث، وتعيد تشكيله من خلال موجه للرسم – مثلا – يحاول مساعدة الصغير على تجاوز الأزمة ويعطى للوحات الصغير تقديرا ما، أو يحاول أحد النقاد الباحثين عن الشهرة الدفاع عن الصعير لأسباب تخصه هو، ولا تخص أزمة يمكن تجاوزها بسلاسة، وينطبق ذلك بنسب متفاوتة مع حالة موظف يقدم تصوره لرئيسه فى العمل حول الدورة المستندية، وتوفير الوقت، والجهد فى انتقالها ومراجعتها بين المكاتب، وسيجد من الكلمات حول غبائه، وعدم فهمه للقوانين، واللوائح، واستهتاره بمن وضعوا الكتب الدورية، ومن أسسوا لأساليب الإدارة، وقد يلاقى الأمرين بإحالته للتحقيق، أو نقله ويمكن أيضا أن يتحول إلى وسيلة للتندر بين زملائه إرضاء للمدير الذى لم يحاول أن يطرح السؤال – البديهى لماذا قدم تصوره، ومدى صلاحية اطروحته للعمل باعتبار أن اللائحة، والكتب الدورية مقدسة، وهذا ما وجدنا عليه أسلافنا، ونتيجة لرفض التخيل نجدنا أمام أزمة هائلة نشارك فيها جميعا بدرجات متفاوتة، وهى أزمة الإبداع العام والخاص، وتقدير المجتمع للإبداع – لا أعنى هنا الآداب والفنون بقدر ما أقصد المجالات كافة – وإيجاد مساحة من التفكير، والبحث من أجل التجديد، والقضاء على ثقافة التلقين، والجمود الذى يعقبه التراجع ن وعلينا أن نتذكر أن 25 يناير كانت حالة إبداعية خالصة، وتجاوز لتقديس السلطة وتأليه الحاكم، نعم كانت ثورة ومستمرة لإنها لم تحقق أهدافها بعد ولن اتحدث عن الإبداع الفردى فى أوروبا فى القرون الوسطى، ومحاكم التفتيش فلا حاجة للتذكير بها سوى فى انتصار الإبداع كفعل إنسانى يتوافق مع حاجة المجتمع، وتطوره، والإبداع بشقيه يمثل إشكالية داخل بنية المجتمع المصرى بين انفتاح السماوات وثورة الاتصالات، والمعلوماتية، ورغبة جيل صاعد فى التطوير من جهة، ومحاولات المحافظين فى استمرار ما هو قائم بعضهم نتيجة فهم خاطئ للمقدي وتأويله، وأخرين للحفاظ على مغانمهم التى استلبوها خلال فترة نظام المخلوع سواء من سدنة الاستبداد ودولة الغرف المغلقة، والسراديب المعروفة بالدولة العميقة أو اتباعهم، فلا يوجد مجتمع بلا مبدعين، وإن غابوا عليه أن يصصنعهم، وبرغم استدراك الرئيس المنتخب فى بيانه بميدان التحرير فى التأكيد على حرية الإبداع فإن الشك، والقلق يهيمنان على المشهد الثقافى فى ظل صعوده من جماعة تتبنى مفاهيم الإسلام السياسى، وهى جزء من تيار له سوابقه فى مواجهة حرية الفكر، وهنا يجب أن نصدق القول أن جماعة الأخوان المسلمين كانت من أقل الجماعات التى وجهت العداء، والتكفير للمبدعين وفى الوقت ذاته لا تبتعد مرجعيتها كثيرا عن غيرها داخل تيار الإسلام السياسي، ولن اتحدث عن فرج فوده، أو نصر حامد أبو زيد، أو نجيب محفوظ، وإنما عن رائد المسرح المصرى، وأستاذ الأدب الراحل توفيق الحكيم، وصراعه مع الشيخ الشعراوى، والموقف العدائى للجماعة وقتها فى نهاية السبعينيات من القرن الماضى من أستاذنا الراحل وكيف هاجمه بعض الدعاة بقسوة وكان يمر بظرف عصيب عقب وفاة ولده الوحيد، وتناسوا دوره، وما قدمه فى أعماله الشهيرة مثل يوميات نائب قى الأرياف، وشمس النهار، وعودة الروح، ومواجهة السلطة العسكرية فى مسرحيته الشهيرة ( السلطان الحائر، أو كسف تزايد سطوة أجهزة التخابر فى رائعته ( بنك القلق )، لقد اغفلوا دعوته للحرية، ورفضه لاستبداد السلطة العسكرية فى سبيل تأكيد قوتهم، وسطوتهم على مجتمع يكن تقديرا لا نهائى لرجال الدين….لقد حان الوقت الذى ينبغى فيه التحرر من الجمود، ومواجهة إقصاء الإبداع، والمبدعين، فالثورة هى تغيير فكرى، واجتماعى لا يتحقق بلا حريات، وحرية الإبداع من الحقوق اللصيقة بالشخص علي الجميع احترامها والدفاع عنها بلا موارية، أو موائمات سياسية تستهلك طاقة المجتمع.