تعتمد فكرة الاستنساخ على التكاثر، فقد قضت حكمة الخالق عز وجل على تكاثر الخلائق والنباتات والحيوانات عن طريق التزاوج لتنشأ أجيال أخرى متعددة الأشكال والألوان لتتحول الحياة إلى متحف بديع يُظهر قدرة الخالق وإبداعه. وقد عمد الإنسان إلى النبات لتكوين أعداد كبيرة من النباتات لاعتماده على القدرة الذاتية للنبات في الاستنساخ. أما بالنسبة للحيوان فقد دأب الإنسان على تحسين السلالات الحيوانية بالتهجين الطبيعي أو الصناعي المعملي إلى أن قام بعزل الخلايا الناتجة عن التلقيح الصناعي وإعادة زرعها منفردة داخل أنابيب للحصول على عدة أجنة ثم القيام بزرعها في عدة أرحام وذلك لإنتاج حيوانات متطابقة وراثياً. وهناك العديد من الإنجازات العلمية في هذا المجال بدأت من منتصف القرن الماضي حيث تم المحافظة على الأنطاف ونقلها والتلقيح بها صناعياً بعد ذلك، كما ولدت أول طفلة أنابيب في إنجلترا عام 1978، ونجح العلماء في نقل الأجنة من رحم لآخر في البشر عام 1983، وفي عام 1986 حملت سيدة بطفلة من أبوين آخرين وذلك لعدم تمكن الأم من الاحتفاظ بالجنين في رحمها إلا أنها لم تستطع الاحتفاظ بالجنين قانونياً، أما في عام 1993 فقد نجح العلماء في نسخ خلايا من 17 جنين إنسان وتوصلوا لتنميتها إلى 32 خلية إلا أنهم لم يتمكنوا من زراعته في الأرحام، وقد اعتمدت كل هذه التجارب على التزاوج أي وجود الذكر والأنثى، وأخيراً تم استنساخ النعجة "دوللي" دون الحاجة لتزاوج الذكر والأنثى. من الجدير بالذكر أن للاستنساخ فوائد كثيرة فهو يساعد على المحافظة على السلالات النادرة النباتية والحيوانية والمعرضة للانقراض بسبب التلوث البيئي، كذلك فهو يفيد في البحث العلمي كإنتاج فأر تجارب لآخر يعاني من مرض وراثي محدد وإجراء التجارب العلاجية عليه لتحديد أفضل سبل العلاج الممكن تطبيقها على الإنسان. لقد اختلفت الآراء حول عملية الاستنساخ، فالحكومات الرسمية طالبت العلماء بالتوقف عن تلك العملية ومنعت الشركات الممولة لتلك الأبحاث من تمويلها، في حين أصدرت بعض الدول قوانين تمنع الاستنساخ. كذلك طالب علماء الدين بمنع الاستنساخ في مجال البشر منعاً لاختلاط الأنساب واختلال العلاقات الإنسانية والاجتماعية وانهيار نظام الزواج. في حين انقسم الشارع بين مؤيد لهذه الأبحاث حيث أنها عبارة عن محاولة لاكتشاف بعض أسرار الخلق، ومعارض يرى أن هذه الفكرة تعبث بقانون التنوع وتخل بالتوازن العام وعدوان على نواميس الكون. ونذكر هنا قصة الثعالب ذات الفراء الممتاز بالجبال كانت تطاردها الذئاب وتفترسها، فقام المسؤولون بالقضاء على تلك الذئاب حتى تستريح الثعالب إلا أنهم وبعد فترة وجدوا اختلاف في صفات وجودة ونعومة ولمعان الفراء، وبعد الدراسة وجدوا أن ارتخاء الثعالب أدى إلى تدهور خواص الفراء وأن ملاحقة الذئاب للثعالب كان يؤدي إلى نشاطها وتوترها وإفرازها لمواد دهنية تعمل على لمعان الفراء والمحافظة عليه من الجفاف فأطلقوا الذئاب مرة أخرى. إن فوائد الاستنساخ العلاجية عديدة، فمن الممكن توليد خلايا جزيرات بنكرياسية لعلاج داء السكري وذلك عن طريق الخلايا الجذعية المعروف قدرتها العالية على التكاثر والتمايز. ويتم الحصول على تلك الخلايا من الأجنة البشرية الناتجة عن التلقيح الصناعي أو من الأجنة المجهضة وذلك بعد موافقة المتبرعين. وهناك طريقة أخرى للحصول على الخلايا الجذعية عن طريق دمج نواة لأي خلية جسدية مع بويضة منزوعة النواة في المعمل تحت ظروف معينة، وتمتاز تلك الطريقة بالحصول على خلايا مطابقة جينياً للفرد الذي أخذت منه النواة الجسدية مما يتغلب على مشكلة رفض الجسم للأنسجة المزروعة من قبل الجهاز المناعي. إن العالم يحلم بالحفاظ على العبقرية الإنسانية ليس من خلال المحافظة على النتاج الفكري وحسب بل بالمحافظة على الأفراد في كامل تركيبتهم البيولوجية. فالعلماء يحلمون بمعرفة التركيبة الوراثية المسئولة عن الأمراض مثل الكوليستيرول العائلي، وداء ألزهايمر، بل أكثر من ذلك يحلمون بالتحكم في الجنس والتخلص من جينات الإجرام والحقد والجنون داء باركنسون والسرطان والتوصل إلى سر امتداد العمر لآلاف السنين وزراعة أعضاء جديدة حسب الطلب. نحن مقبلون على قرن الثورة البيولوجية وعلينا الاستفادة منه دون الإخلال بقوانين ذلك الكون حتى لا يصبح العلم نقمة على الإنسان.