في عالم السياسة وفي العوالم الأخرى أيضًا لا تنخدع بالظاهر، لكن تمهل وانظر واستبصر وحلل واجمع المعلومات ما استطعت، وقتها ستعرف أن الظاهر ليس هو الحقيقة دائمًا، وكم خدعت المظاهر البراقة عيون وعقول الدهاة، ولكنها لابد وأن تنكشف يومًا ما ، فالظاهر الخادع يعيش دهرًا ثم يتبدد بددًا فتنكشف الحقائق خلف دخانه. حين جاءت حقبة الثمانينيات كنا نسمع ونرى أفواجًا من الحجيج الإيراني وهم يتظاهرون في موسم الحج وعند الكعبة الشريفة ضد أمريكا وإسرائيل، وبقدر ما تعجبنا من مظاهرة سياسية تنطلق في موسم الحج وعند الحرم، بقدر ما أكبرنا موقف هؤلاء الشيعة الذين يناصبون أمريكا وإسرائيل العداء، إيران هي العدو الأكبر لأمريكا شيطان العالم الرجيم، ولكن الشيطان كان يمد يده في الخفاء لإيران يداعبها فتستنيم له ويلهج لسانها بالتسبيح له، ولما لا وهو الذي يمدها بالسلاح في حربها ضد العراق، ومن عجب أن العالم استيقظ ذات يوم ليرى تلك المظاهرات الإيرانية التي تهاجم أمريكا وإسرائيل، ثم انكشف له في ذات الوقت أن سيلًا من الأسلحة وقطع الغيار كانت تشحن من أمريكا عبر إسرائيل إلى طهران. ففي عام 1985، وأثناء الولاية الثانية للرئيس الأمريكي الممثل الكاوبوي راعي البقر، رونالد ريجان، كانت أمريكا تسير في خطوات ثابتة نحو القضاء على أسطورة الاتحاد السوفيتي والمد الشيوعي، وكان حكم ميخائيل جورباتشوف للاتحاد السوفيتي يحث الخطى هو الآخر نحو القضاء على الاتحاد السوفيتي الذي كان قد أصبح هشًا خاويًا، ولابد أن العمليات المخابراتية التي قام بها فريق العمل الذي يترأسه السيد “,”ويليام جي كيسي“,” مدير المخابرات الأمريكية، كان له الدور الأكبر فيما تحقق بعد ذلك من انهيار للاتحاد السوفيتي وتفككها. وقتئذ تم تنفيذ خطة أطلقوا عليها “,”إيران - كونترا“,” والتي أصبحت فيما بعد فضيحة كبرى أطلق عليها الإعلام العالمي “,”إيران كونترا جيت“,” تشبيهًا لها بفضيحة “,”ووترجيت“,” التي أطاحت بنيكسون من قبل من حكم أمريكا، كانت هذه الخطة الفضيحة عبارة عن مخطط سري يستهدف بيع أسلحة أمريكية لإيران التي تتظاهر ضد أمريكا وتغضب من إسرائيل، وتصب جام غضبها على الرعاية الأمريكية لإسرائيل، خاصة رعاية التسليح، هل يصدق هذا أحد، القط سيعقد صلحًا مع الفأر ويقوم بتزويده بالأسلحة ليفرض سطوته على المنطقة كلها ويؤازره في حربه التي كانت تشحذ أسنتها ضد العراق، أما الهدف الاستراتيجي الظاهر لبيع الأسلحة لإيران هو أن يستخدم ناتج البيع في تمويل حركات “,”الكونترا“,” المحاربة للنظام الشيوعي في نيكاراجوا. ومع توابع صفقة بيع الأسلحة هذه انكشفت أشياء أخرى، إذ ظهر أن العلاقات الوثيقة السرية بين إيران وإسرائيل كانت في أعلى مجاليها، وكان الشيخ صادق طبطبائي، المقرب من الخميني، هو حلقة الوسط بين إيران وإسرائيل، وكان قد نفذ إلى عالم المخابرات الإسرائيلية والتعاون معها من خلال شخص يدعى يوسف عازر، وهو عميل مخابراتي تعامل مع المخابرات الإسرائيلية والجيش الإسرائيلي كثيرًا، وكانت الفضيحة الكبرى هي أن السلاح سيتم تسليمه لإيران عن طريق إسرائيل، أو بمعني أصح أن إسرائيل كانت هي وسيط هذه الصفقة التي مهد لها طبطبائي ويوسف عازر. سقط القناع عن الصفقة وأكدها أبوالحسن بني صدر، أول رئيس لجمهورية إيران الإسلامية بعد الثورة، فحين استعادت قناة الجزيرة تلك الأحداث لتوثيقها جلست مع الرئيس السابق أبوالحسن بني صدر، بعد أن انفض السامر عنه، كان البرنامج هو “,”زيارة خاصة“,” وكان التاريخ هو 10/1/2005 ،أما المذيع فهو الإعلامي سامي كليب، اللبناني الأصل، الفرنسي الجنسية. سأل سامي كليب، سؤالًا صريحًا يستعيد الفضيحة: “,”هل كنت على علم بوجود علاقات معينة مع إسرائيل لأجل الحصول على السلاح؟. فأجاب بوجه جامد القسمات: “,”في المجلس العسكري أعلمنا وزير الدفاع أننا بصدد شراء سلاح من إسرائيل، عجبنا كيف يفعل ذلك، قلت: من سمح لك بذلك، قال: الإمام الخميني، قلت هذا مستحيل! قال: أنا لا أجرؤ على عمل ذلك لوحدي، سارعت للقاء الخميني، وسألته: هل سمحت بذلك ؟ قال: نعم إن الإسلام يسمح بذلك، وإن الحرب هي الحرب، صُعقت لذلك، صحيح أن الحرب هي الحرب، ولكنني أعتقد أن حربنا نظيفة، والجهاد هو أن نقنع الآخرين بوقف الحرب والتوق إلى السلام، نعم هذا الذي يجب عمله وليس الذهاب إلى إسرائيل وشراء السلاح منها لحرب العرب، لا لن أرضى بذلك أبدًا، حينها قال لي: إنك ضد الحرب، وكان عليك أن تقودها؛ لأنك في موقع الرئاسة“,”. هل يصدق أحد أن هتافات إيران ضد إسرائيل وأمريكا كانت خادعة؟! قبل الثورة الإسلامية كانت الدنيا تعلم بعمق العلاقات التي كانت قائمة بين شاه إيران رضا بهلوي، وإسرائيل، ولم يكن هذا يثير استغراب أحد؛ بل كان يثير الحنق والغضب في دوائر عربية كثيرة، حتى أن الزعيم المصري جمال عبدالناصر، كان قد قطع العلاقة بين مصر وإيران بسبب صلتها ودعمها لإسرائيل، ولكن علاقة إسرائيل بإيران الثورة الإسلامية، إيران الشيعية، إيران التي تتظاهر ضد إسرائيل، كانت من الأمور المخفية، ولكن الله شاء أن تنكشف، لنعرف بعد ذلك أن جماعة الإخوان التي كانت تتظاهر ضد إسرائيل وتهتف ضدها، ويقف قادتها ليهتفوا“,” على القدس رايحين شهداء بالملايين“,” هي جماعة عقدت صلات قوية مع أمريكا وإسرائيل، ووصلت للحكم في مصر عن طريق أمريكا، ومن خلال تعهدها بالحفاظ على مصالح إسرائيل، ثم شاء الله أن تنكشف جماعة الإخوان وينزل الستار على المسرحية التي كانت تقودها ضد إسرائيل، كانت مجرد حرب كلامية ومسرحية خادعة، وكان المشهد الختامي للمسرحية حين كتب محمد مرسي، الذي أجلسوه على حكم مصر، خطابًا مفعمًا بالمشاعر الجياشة، قال فيه: عزيزي وصديقي العظيم شيمون بيريز، رئيس دولة إسرائيل. وفي دولة الإخوان سقط الحياء، كما سقط من قبل من دولة إيران الشيعية الإسلامية، سقط الحياء تحت شعار إخواني قديم هو “,”لا حياء في الدين ولا في العلم ولا في السياسة“,”.