أكد أحمد أبو الغيط الأمين العام لجامعة الدول العربية، أن العالم العربي لا زال يُعاني من فجوة رقمية خطيرة لا بد من العمل على ردمها في أسرع وقت خاصة في ظل التحديات التي نواجهها مع جائحًة كورونا، موضحا أنه في ظل هذه الأوضاع أصبحً الاقتصاد الرقمي يُشكل رافدًا أساسيًا في الاقتصاد العالمي وصارت المعلومات والبيانات هي بترول هذا العصر. جاء ذلك في كلمته خلال افتتاح أعمال مؤتمر ومعرض تكنولوجيات الاقتصاد الرقمي (سيملس الشرق الأوسط 2020) بدولة الإمارات العربية المتحدة. وأشار ابو الغيط إلى ان القيمة المضافة المولِّدة للثروة، ومن ثم للقوة والمكانة، في هذا العصر تنبع من المعرفة والابتكار،موضحا أن هذا الاقتصاد الجديد سيترتب عليه إعادة توزيع للقوة والثروة على صعيد عالمي لذلك تشهد المرحلة الحالية هذا الصراع الضاري بين الولاياتالمتحدة والصين -وهما قطبا اقتصاد المعلومات والرقمنة - حول معايير هذا الاقتصاد الجديد وقواعد التعامل فيه وهي معايير وقواعد لا زالت قيد التشكل ومن ينفرد برسمها سيحقق هيمنة اقتصادية، وبالتالي سياسية وعسكرية، غير محدودة...داعيا العربُ ان يجدو موطئ قدمٍ لهم في هذه الترتيبات الجديدة. وقال ابو الغيط إن هذا التحول الكبير في بنية الاقتصاد العالمي ستكون له تبعات ممتدة اجتماعية وسياسية وثقافية بل سينعكس على طبيعة العمل نفسه التي ستشهد تغيرات غير مسبوقة، موضحا انها كلها اتجاهات تحتم على المجتمعات العربية تركيز الجهد والتمويل والاستثمار بصورة استثنائية على التحول الرقمي من أجل سد الفجوة الرقمية في أسرع وقتٍ ممكن. ونوه ابو الغيط إلى أن جامعة الدول العربية تولي اهتمامًا خاصًا لتطوير العمل العربي المشترك في مجالات الاقتصاد الرقمي، موضحا انه يجري العمل حاليًا على تحديث الإستراتيجية العربية للاتصالات والمعلومات لتتناول موضوعات الاقتصاد الرقمي والأمن السيبراني بصورة شاملة تُلبي احتياجات المستقبل. وشدد على اهمية المؤتمر كونه ينعقد في توقيت دقيق حيث يقف العالم متأرجحا بين اليأس والرجاء بين المعاناة الهائلة التي خلفتها جائحة كورونا والأمل الكبير في ضوء يلوح في آخر النفق بإنتاج لُقاح فعّال يسمح باستعادة مظاهر الحياة الطبيعية التي نتفقدها جميعًا. وأضاف ابو الغيط، انه في مثل هذه المراحل التي تتسم بالتحول السريع والمفاجئ تلوح دائمًا مخاطر وفرص والمخاطر معروفة لنا جميعًا، من تباطؤ اقتصادي واتساع لفجوة الدخول، بين الدول وداخل الدولة الواحدة أما الفرص فهي دائمًا ما تكون أصعب في رصدها واقتناصها، خاصة تحت ضغط الأزمة. وقال:أن الفرصة الكبرى التي تكمن في أجواء التحول والأزمات هي إمكانية التغيير لأن المجتمعات تكون أكثر تقبلًا لحلولٍ لم تعهدها والبشر يجدون أنفسهم مضطرين لتجريب سبل غير تقليدية للتعامل مع الأزمات وعلى سبيل المثال، فقد وجدنا أنفسنا جميعًا -في المؤسسات الحكومية وقطاعات الأعمال وغيرها- مجبرين على استخدام تطبيقات التكنولوجيا الرقمية. وقال ابو الغيط ان الجائحة كشفت ايضا عن الإمكانيات الهائلة التي تقدمها التكنولوجيا الرقمية في التعامل مع أزمة غير تقليدية بحجم الوباء وبرز تأثير التحول الرقمي في ملمحين أساسيين.. الأول هو استخدام تطبيقات التكنولوجيا الرقمية في التعامل مع الأزمة الصحية سواء بتتبع الحالات المصابة، أو اكتشاف البؤر ومتابعتها أو في استخدام الطب عن بعد لتخفيف الضغط على المستشفيات أو حتى في استخدام الروبوتات في عمليات التطهير العميق كما رأينا في هونج كونج مثلًا،أما الملمح الثاني فقد كان الأهم ويتعلق بتسيير نظم الحياة المختلفة في وقت الجائحة بالاعتماد على التكنولوجيا الرقمية. وأوضح ابو الغيط ان الجائحة أجبرت أكثر من 1.6 مليار إنسان على العمل من المنزل، وتابع قائلا:ولنا أن نتصور حجم الخسائر الاقتصادية -وحتى البشرية- لو أن العالم اضطُر لمواجهة هذا الوضع في غياب تكنولوجيا الاتصال الرقمي أي منذ عقدٍ أو عقدين لا غير. وأشار ابو الغيط إلى إن هذه التجربة الجديدة في التوسع في استخدام تطبيقات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات ستكشف، ككل تجربة جديدة، عن مشكلات ومثالب غير متوقعة وربما الكثير منكم قد صادف بالفعل عددًا من هذه المشكلات خلال سلاسل الاجتماعات التي لا تنقطع عبر تطبيق زووم وأخواته غير أن هذه الموجة الكاسحة غير المسبوقة من استخدام التطبيقات التكنولوجية في العمل عن بعد لن تختفي بانزياح الوباء بل ستخضع لتعديلاتٍ وتحسينات وابتكارات أكثر،موضحا ان هذا الوضع قد خلق بالفعل واقعًا جديدًا من المهم مراقبته ومتابعته عن كثب في المرحلة القادمة. ونبه ابو الغيط إلى أن التحول نحو رقمنة الاقتصادات سبق جائحة كورونا بطبيعة الحال وهو ما يقتضي من العالم العربي تنبهًا خاصًا لهذا الاتجاه المتسارع عالميًا. وقال، وبرغم التجارب الناجحة المشهودة لدول عربية قامت بتحقيق نقلاتٍ نوعية في استخدام تطبيقات التكنولوجيا الرقمية في المجالات المختلفة (ومنها بالتأكيد هذا البلد الرائع الذي يستضيفنا اليوم)، إن ثمة مجالين سوف يحظيان من وجهة نظري بحضور مكثف لتطبيقات الرقمنة في المرحلة المُقبلة وهم التعليم والتوظيف. وأضاف ابو الغيط، ان الجائحة عن كشفت عن إمكانيات هائلة لاستخدام تكنولوجيا الرقمنة في التعليم ثمة مشكلاتٌ ظهرت مع التطبيق، غير أن العلاقة بين التعليم والرقمنة ستترسخ بصورة متزايدة في المستقبل خاصة مع الحاجة لإعداد أجيال قادرة على التعامل مع اقتصاد المعرفة والتحول الرقمي. وأضاف أن هذا التحول يقتضي ايضا تحولًا في فلسفة التعليم يتجاوز استخدام تطبيقات التكنولوجيا إلى تصميم العملية التعليمية ذاتها، بحيث تجهز الطالب لنوع جديد من الاقتصاد.. الثابت فيه هو التحول المستمر. وأشار ابو الغيط إلى إن اقتصاد المعرفة لا يعرف مهارات ثابتة أو معارف جامدة وإنما يعترف فقط بالقدرة على التعلم المستمر، واكتساب المهارات الجديدة، والتكيف مع سوقٍ متغيرة للوظائف. ولفت ابو الغيط، إلى إن الثورة الرقمية سوف تقضي على الكثير من الوظائف، ولكنها ستخلق أنشطة جديدة ووظائف لم تكن موجودة ولا يمكن حتى تصورها في هذه اللحظة خاصة أن أغلب الاقتصادات العربية يُعاني من معدلاتِ بطالة عالية، خاصة في فئة الشباب،فضلا عن ان لدينا في العالم العربي 100 مليون شاب في سن 15 إلى 29 سنة وقدر البعض أن عدد الوظائف التي تحتاج الحكومات العربية لإيجادها يتجاوز خمسين مليونًا خلال العقود القادمة. وأوضح أن مجالات الاقتصاد الرقمي تُعد من القطاعات الواعدة القادرة على توليد الثروات واستيعاب العمالة، خاصة في الشركات الناشئة التي تتبنى الرقمنة والتطبيقات التكنولوجية المختلفة،ولكن المنافسة في هذه المجالات تحتاج إلى نوع معين من العمالة الماهرة المدربة. وأضاف، "هنا تكمن الحلقة المهمة بين التعليم والتوظيف وهي حلقة لا زالت للأسف تُعاني ضمورًا، بل وغيابًا في بعض الأحيان، في الكثير من الاقتصادات العربية التي تشهد انفصالًا بين مجالات التعليم وسوق العمل". وقال إن هذا المؤتمر والمعرض يؤشران إلى طريق المستقبل في المرحلة المقبلة ونحتاج إلى أمثالهما في كافة أركان عالمنا العربي حتى تتولد روح الابتكار وتنطلق آلاف الأفكار والإبداعات العربية في كافة المجالات المتعلقة بتطبيقات التكنولوجيا الرقمية. وجدد الشكر لدولة الإمارات العربية وقيادتها الواعية التي تضرب المثل دومًا في ارتياد آفاق المستقبل بجرأة وثقة.