للشعب المصرى المبارك، شعب ووطن ذكروا في كل الكتب المقدسة من توراة وإنجيل وقرآن، لا أعتقد أنيوجد شعب في العالم له علاقة بالصوم مثل الشعب المصرى، وصدق أو لا تصدق أن المصريين مسلمين ومسيحيين يصومون «467» يوما من السنة التى تبلغ أيامها ما بين «365 - 366» يوما.! في كتاب «فقه السنة - العبادات، المجلد الأول»، أن المسلمين إضافة إلى شهر رمضان المعظم، يصومون: ثلاثة أيام في شهر شعبان «13 - 14 - 15»، ووقفة عرفات يزيدون اختياريا إلى عشرة أيام، وفى شوال الستة أيام البيض، وأول ونصف رجب والسابع والعشرين منه، بالإضافة إلى «104» أيام اختياريا، وهى الاثنين والخميس، ليصل الإجمالى ما بين «147» يوما يزيدون اختياريا إلى «201» يوم. أما صوام الأقباط فهى: «55» يوما الصوم الكبير، وثلاثة أيام يونان، «42» يوما الصيام الصغير، و«40» يوما صيام الرسل، و«15» يوما صيام العذراء، ومن الممكن أن يزيد صيام العذراء اختياريا إلى «21» يوما، إضافة إلى يومى الأربعاء والجمعة ليصل عدد الأيام إلى «256» يوما ممكن أن تزيد اختياريا إلى «266» يوما، وهكذا يبلغ إجمالى صوم المصريين مسلمين ومسيحيين «406» أيام، وفى حالة الزيادات التقوية التطوعية تصل أصوام المصريين «467» يوما من «365» يوما، أى أن المصريين يصومون أزيد من أيام السنة بنحو «100» يوم؟! ترى ما السبب الذى يجعل الشعب المصرى يصوم بهذه الأعداد من الأيام؟ ترى هل هى حب لله ورسله، أم تقوى للرحمن أو خشية من عقابه؟ أم أن الأمر يرتبط بشدة المظالم التى مر بها هذا الشعب على مختلف العصور، فلم يعد أمامهم سوى الزهد والتوكل على الله في طرح هذه المظالم، أم أن قيم الحرمان النسبى والتحديات الكبيرة الاجتماعية دفعت مقدرات الشعب على الانقطاع عن الطعام؟ كل تلك المناحى جعلت المصريين يرتبطون بالصوم روحيا ودينيا وارتباط ذلك جليا بالهوية المصرية منذ عصور الفراعنة وحتى الآن، المصريون المسلمون رغم أنهم من أهل السنة، لكنهم يصومون عاشوراء ويحبون آل البيت، ويتقربون من الأعتاب، كما أن الصيام في المسيحية ليس سرا من أسرار الكنيسة القبطية السبعة، لكنه يرقى إلى مرتبة السر. كما أن التاريخ يذكر أن انتصارات المصريين كانت تحدث دائما في صيام رمضان مثل، معركة عين جالوت والانتصار على التتار، ومعركة حطين والانتصار على الصليبيين واستعادة بيت المقدس وصولا إلى نصر العاشر من رمضان وهزيمة العدو الصهيونى. هكذا فالروحانية والزهد والصوفية في القلب والحشا، فالمصريون مسلمين وأقباطا يحتفلون بما يزيد على مائة مولد واحتفالية لولى أو قديس أو قديسة، إضافة إلى الأذكار التى يذكر فيها اسم الله وتروى فيها قصص السلف الصالح، هذه الهوية الروحية لشعبنا العظيم تتجاوز كل فهم.. وتتجذر في المخيلة وتنمو من جيل إلى جيل في الوجدان. ورصد عالم الاجتماع البارز الراحل د. سيد عويس ظاهرة إرسال رسائل إلى الإمام الشافعى الذى كان قاضيا عادلا، كذلك قمت بعمل بحث حول الرسائل التى يرسلها المسيحيون إلى البابا كيرلس السادس يشكون فيها من ظلم الظالمين، وفى الحالتين، الإمام الشافعى والبابا كيرلس نموذجان يجسدان حب المصريين للتواصل مع الله وتكثر الرسائل كلما زادت المظالم وصارت فوق طاقة البشر، وهكذا استطاع المصرى أن يوظف التقويات وزيارة الأضرحة في بعث روح المقاومة السلبية، الأمر الذى قد يراه البعض ضربا من الخرافة والشعوذة، وبالطبع لا يخلو الأمر من بيزنس روحانيات لجماعات من المنتفعين، إلا أنه يصعب الفصل بين الخرافة والدروشة وروح المقاومة لدى شعبنا العظيم، لذلك فالشخصية المصرية مثل المحارة الملقاة في عمق البحر يدخلها الكثير من المخلفات، ولكنها تصمد وتتحول على مر السنين إلى لؤلؤة. هذا الشعب العظيم يمتد حبه لله ورسله عبر فيض عذوبة النيل، ويكره هذا الشعب العنف، ويعرف أن سفك الدماء محرم في الأشهر الحرم، ولكن الإرهابيين لا يراعون ذلك، إلا أن الشعب المصرى بكل ذلك المخزون الحضارى والروحى سيتخطى الإرهاب، وستظل مصر المقبلة من بين عيون الشهداء و«مدد مدد مدد شدى حيلك يا بلد".