تسود حالة من الترقب في الأوساط السياسية في منطقة الشرق الأوسط والعالم، انتظارًا لما ستسفر عنه المغامرة التركية، الرامية إلى الهيمنة على ثروات ليبيا ومنطقة شرق البحر المتوسط من النفط والغاز، وإعادة جماعة الإخوان الإرهابية إلى الساحة، بالإضافة إلى إقامة مستعمرة ل«الدواعش» والجهاديين المتطرفين على أراضى بلاد المختار، وتعويض ما خسرته أنقرة في سوريا. وفى ظل إصرار أنقرة على اجتياح مدينتى سرت والجفرة الاستراتيجيتين، رغم ما يمثله ذلك من تحد صارخ لدول المنطقة، واعتداء على الأمن القومى العربي، تواصل تركيا حشد المرتزقة والجهاديين يوميا إلى الأراضى الليبية، دعما لميليشيات حكومة السراج، في معركتها المنتظرة. وزير الخارجية التركى مولود جاويش أوغلو، خرج في حوار متلفز ليدلى بتصريحات تؤكد إصرار دولته على استكمال مغامرتها دون النظر لما يمكن أن تسفر عنه من أهوال إقليمية ودولية. أوغلو أعلن رفض بالده دعم وقف إطالق النار في ليبيا، خالل الوقت الراهن، بادعاء أن إقرار أى هدنة حاليا، يمثل تهديدا لمصالح حكومة الوفاق التى تتحالف معها أنقرة، كما أكد أن بالده تواصل االستعداد لتنفيذ عمليتها العسكرية الجتياح سرت والجفرة، مشترطا مغادرة قوات الجيش الوطنى الليبي، للمدينتين مقابل عدم اجتياحهما، وهو ما وصفه المحللون بالمناورة التى تستهدف تنفيذ إخراج قوات الجيش من مربع العمليات، إلخالئه لميليشيات السراج، التى ستدعى تركيا فيما بعد أنها ال تستطيع السيطرة عليها ومنعها من دخول المدينتين. وتعليقًا على تصريحات وزير الخارجية، حشد أوروبي يرى الدكتور إكرام بدر الدين، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، أن الخطورة ال تكمن فيما يقوله أوغلو الذى لم يقدم جديدا، في ظل توقعات بأال تتراجع تركيا عن مغامرتها في ليبيا، طالما لم يتم معاقبتها والتصدى لها من قبل المجتمع الدولي. وأوضح بدر الدين أن خطورة الموقف ترتبط بتزامن تصريحات وزير الخارجية التركي، مع عدد من التحركات اإلقليمية التى تشير إلى ترتيب لألوراق، وأن الحرب صارت أمرا متوقعا. وقال: »فرنسا قررت بشكل مفاجئ نشر قوات تابعة لجيشها في مالي، وهو ما يمكن أن يشير إلى نية باريس مواجهة تركيا عسكريا، خاصة أن باريس أدانت على لسان وزيرة الدفاع فلورنس بارلي، انتهاكات تركيا لقرار حظر تصدير السالح في ليبيا، وهو ما يعبر عن غضب فرنسى واضح إزاء جرائم تركيا في ليبيا، ومنطقة الشرق األوسط«. ولفت إلى أنه من أهم التحركات التى تؤكد تغيير سياسة فرنسا تجاه ليبيا، تجاوز باريس لخالفاتها مع إيطاليا، وانضمامها لتحالف يضم روما وأثينا ونيقوسيا لمواجهة التحركات التركية، والحفاظ على ثروات الشرق األوسط. وألقى بدر الدين الضوء على تصريحات وزير الخارجية اليوناني، نيكوس دندياس، التى أكد فيها أن اجتماع مجلس الشئون الخارجية لالتحاد األوروبي، الذى جرى في العاصمة البلجيكية بروكسل، قبل أيام، شهد توجيه دعوة واضحة إلى أنقرة لوقف انتهاكاتها لقرار مجلس األمن بحظر تصدير األسلحة إلى ليبيا، ما يشير إلى رغبة أوروبية في إيقاف تركيا عند حدها، وهو ما يؤكده أيضا تصريحات وزير خارجية النمسا، ألكسندر شالينبرج، الذى أكد أن أوروبا لن تقف صامتة أمام االستفزازات التى يمارسها النظام التركى في ليبيا، خاصة بعد أن أثبتت أنقرة أنها ليست شريكا موثوقا به ألوروبا، مشددا على ضرورة إعادة التفكير داخل االتحاد في الموقف التركى على ضوء الخطر الذى يمثله نظام أردوغان. مسئول السياسة الخارجية باالتحاد األوروبي، جوزيب بوريل، وصف العالقات بين االتحاد األوروبي، والنظام التركى بأنها ليست جيدة، مؤكدا أن الوضع في ليبيا سيبقى سيئا جدا، طالما بقى اختراق حظر األسلحة قائما، وهو ما يرى بدر الدين أنه مقدمة تمهد لفكرة فرض عقوبات على تركيا، ردا على ما ترتكبه من انتهاكات في شرق المتوسط. اإلخوان قلب الخيانة في غضون ذلك وصف طه على، الباحث فى شئون الجماعات المتطرفة، جماعة اإلخوان اإلرهابية بأنها قلب الخيانة في ليبيا محمال الجماعة مسئولية ما يجرى في المنطقة. وقال إن الجماعة تحاول تجميل موقفها، بالترويج إلى أن ما ترتكبه تركيا من عدوان على ليبيا، يأتى بهدف حمايتها وحماية ثرواتها، مشيرا إلى أن هذا المعنى هو ما أدلى به عمر جليك، الناطق باسم حزب العدالة والتنمية، الذراعِ السياسية لجماعة اإلخوان في تركيا، حين قال: إنهم موجودون في ليبيا من أجل منع تحولها إلى سربرنيتشا جديدة، في إشارة إلى المذبحة التى ارتكبت ضد مسلمى البوسنة عام 1995،وقُتل فيها اآلالف. ولفت »على« إلى أن إخوان تركيا يتناسون أن تركيا هى من سلمت ليبيا من قبل لالحتالل اإليطالي، مقابل جزيرة فى البحر المتوسط، كما كان العثمانيون ينهبون أموال الليبيين تحت مسمى الميري، ومن ال يدفع لهم يُقتل. وأضاف: »اآلن يعود االحتالل التركى إلى ليبيا تحت شعارات دينية، تنطلى على المخدوعين والخائنين، الذين سلموا البالد لطامع لن يكتفى بحقلٍ من النفط، أو قاعدة عسكرية، بل هدفه ليبيا كلها وقد يتجاوزها إلى باقى دول المنطقة، عبر جيوش من المرتزقة واإلرهابيين«. وعلى ضوء ذكر مذبحة »سربرنيتسا« التى قتل فيها نحو 10 آالف بوسني، نسى جليك أن أجداده ذبحوا نحو 10 آالف ليبى من قبيلة الجوازى بينهم نساء وأطفال، في منتصف القرن ال19،كما أنها تعاونت مع فرنسا في 2011 لتدمير ليبيا والتخلص من نظام القذافي. معركة سرت من جهته، توقع الدكتور أكرم الزغبي، أستاذ القانون الدولي، أن تتصاعد حدة المعركة السياسية الجارية حول سرت والجفرة حاليا، والتى توشك أن تتحول إلى صراع عسكرى مدمر، مرجعا ذلك إلى وجود رغبة لدى بعض القوى المؤثرة في تحييد منطقة الهالل النفطى الليبي، وتحويلها إلى منطقة منزوعة السالح، على غرار المنطقة اآلمنة في سوريا، رغم أن هذه الفكرة لم تحظ بالنجاح الكافى لتكرارها في مكان آخر. وحذر الزغبى من أن التركيبة القبلية الليبية، لن تسمح ببقاء سرت منزوعة السالح، وإنما سيتحول األمر إلى بؤرة صراع تشتعل بين الحين واآلخر، ليبقى الصراع حول النفط الليبى رهنا للقوى الكبرى والمؤثرة. وقال الزغبى بعض القوى تشجع تركيا على المزيد من التوغل في ليبيا رغبة في تحويلها إلى بؤرة تجتمع فيها العناصر اإلرهابية، متصورة أنها بذلك ستكون قادرة على إحكام السيطرة على هذه العناصر، وتوجيهها إلى تحقيق مصالح بعينها لهذه القوى دون غيرها. وأضاف أن فرض وصاية على ثروات ليبيا النفطية، من خالل نزع السالح بمنطقة الهال، وجعلها دائرة دولية مغلقة، يمثل الهدف البديل لعدم سيطرة تركيا بشكل مباشر على هذه المنطقة، وهو ما بدا في نوايا بعض القوى التى تطالب بخفض التصعيد في ليبيا، من خالل إنشاء منطقة منزوعة السالح في سرت. مقبرة األتراك تتوهم تركيا أنه بمقدورها السيطرة على ثروات ليبيا، وربما لم تتعلم من التاريخ، أن الشعب الليبى صاحب عزيمة في مواجهة الغزاة والمحتلين، ذلك ما أوضحه الدكتور فتحى العفيفي، أستاذ الفكر االستراتيجى بجامعة الزقازيق، الذى أشار إلى أن معركة »سرت – الجفرة«، ستكون مقبرة لألتراك، والمسمار األخير في نعش دولة أردوغان. وقال العفيفي: »يعتبر المحتل التركي، أن معركة سرت – الجفرة، هى األهم لتعزيز وجوده داخل ليبيا، متصورا أنه يمكن أن ينتصر ضد اإلرادة الشعبية لليبيين، وهو ما يؤكد التاريخ أنه لن يحدث أبدا«. ولفت العفيفى إلى أن االستعدادات القوية التى ينفذها الجيش الوطنى الليبي، استعدادا لهذه المعركة، وما يلقاه من دعم إقليمى ودولي، وبخاصة من مصر سيجعل من المحال أن تنتصر تركيا، في هذه المعركة. وشدد العفيفى على أن العملية السياسية في ليبيا، لم تتقدم طوال الشهرين الماضيين، بعد سقوط ترهونة ومن قبلها قاعدة الوطية في يد المحتل التركي، والميليشيات التابعة لحكومة السراج، وهو ما جعل أنقرة تغتر متصورة أن األمور على وشك أن تدين لها. وأشار إلى أن المحتل التركى أكد دعمه التام لحكومة السراج غير الشرعية، في اقتحام سرت، ووضعَ وزير الخارجية التركي، مولود تشاوش أوغلو، ما أسماها بالشروط، للتراجع عن المعركة، ومنها انسحاب قوات الجيش من المدينة، وهو ما يمثل مناورة ال يجب االنصياع لها. ميدانيًا، كشفت مصادر عسكرية أن آمر معلومات ميدانية غرفة عمليات سرت والجفرة، التابع لحكومة السراج، والمدعو »إبراهيم بيت المال«، اتفق مع السراج وقادته العسكريين على زيادة الدعم الفنى بمحاور القتال غرب سرت، وتحسين المنظومة الدفاعية بشكل أكبر وأوسع. وأفادت المصادر أيضا باستمرار تدفق المرتزقة عبر الطائرات التركية إلى مطار مصراتة خال الساعات الماضية، وفى المقابل أعلن الجيش الوطنى الليبى جاهزيته لصد أى هجوم تركى على سرت والجفرة.