ما زال ملف المصانع المغلقة يبحث عن حسم حقيقى وشامل، لإيجاد حلول واقعية لإعادة تشغيلها، وأعيد فتح هذا الملف هذه الأيام، بعد التكليف الرئاسى للحكومة بوضع حلول لهذا الموضوع، وأيضًا من خلال دعوة الخبراء لوضع مشروع قومى لتشغيل تلك المصانع، وعودة الحياة إليها واستيعاب عمالتها، أو توظيف عمالة جديدة. ورغم الحلول التى قدمها صندوق مخاطر المصانع المغلقة، فإن عدد المصانع المغلقة ما زال غير محدد ولا يوجد رقم دقيق، وقال البعض إنها وصلت إلى 4500 مصنع فى السنوات التى أعقبت ثورة 25 يناير، ولكن المؤكد أن هناك 871 مصنعًا متوقفة، وتتنوع مشاكلها بين تعثر مع البنوك، أو مع جهات أخرى. وأكد عدد من الخبراء أهمية تفعيل جميع المبادرات التى تم الإعلان عنها لحل مشاكل المصانع المغلقة، وإعادة تشغيلها، باعتبارها مشروعا قوميا يساهم فى دعم برنامج الإصلاح الاقتصادي، وإضافة مليارات إلى الاقتصاد الوطني. ويقول مصطفى سعد، الخبير الاقتصادي، إن قضية المصانع المغلقة مطروحة على الحكومة منذ عدة سنوات، وإن كل دول العالم والدول المتقدمة وليست مصر فقط، توجد بها مشاكل فى الاستثمار وبعض المنتجين، وهذا بسبب عدم وجود عمالة متدربة فى هذا المجال، أو بسبب سماح الدولة لشركات الاستيراد المنافسة بالدخول فى نفس مجال المصانع المحلية، فى ظل منافسة غير عادلة. وأوضح سعد، أن مشاكل تعثر الشركات من الناحية المادية يرجع لعدم قدرتها على السداد، ولكن على الدولة أن تقوم بحل مشكلة المصانع المغلقة والاهتمام بها، وأن تقوم بخطوات ايجابية فى ذلك الموضوع، وقد وجه من قبل الرئيس عبدالفتاح السيسى فى لقاءات مختلفة بقيام وزارتى الصناعة والاستثمار بالاهتمام بقضية المصانع المغلقة والمتعثرة والمشاكل التى تواجهها وأسباب توقفها عن العمل. وأضاف سعد، من المهم إنهاء هذا الملف لنتجاوزه إلى قضايا أخرى، موضحًا أنه فى ظل عدم وجود حلول واقعية وجادة سيظل هذا الملف مفتوحًا، ومن هنا يجب على الدولة السعى عمليًا لحل قضية المصانع المغلقة، من خلال مبادرات ومقترحات وتدعيم المشروعات المتوقفة لتعود إلى السوق المحلية وتساهم فى الاقتصاد. وبين سعد، أن موضوع المصانع المغلقة مطروح منذ فترة طويلة، وتوجد محاولات ومبادرات لحله، ففى الفترة بين عام 2013-2014 تم تحديد 500 مليون جنيه لدعم المصانع المتعثرة والمتوقفة، وكانت هناك مشاكل للبنك المركزى فى السيولة النقدية، ومخاطر واجهت الدولة، وأوقف صرف ال 500 مليون جنيه، ولكن الأوضاع تختلف الآن وتوجد احتياطيات كبيرة لدى البنك المركزي، واستقرار نقدى بشكل أكبر، وخفض البنك المركزى سعر الفائدة، وبالتالى فالفرصة مواتية لحل مشاكل هذه المصانع والشركات بالأوضاع تدعم ملف المصانع المغلقة وعودتها للإنتاج التى تسبب غلقها فى زيادة نسبة البطالة فى مصر. وأكد الخبير الاقتصادي، أن صندوق مخاطر إعادة تشغيل المصانع المغلقة، قام بأدوار بحل مشاكل بعض المصانع سواء إعادة تجديدها أو بإعادة تمويلها، وبالتالى تحتاج إلى وقت لعودتها للعمل، ومن المفروض أن تكون للدولة خطة مرتبطة بفترة زمنية لجدية حل المشكلة، أن تبث روح الاطمئنان لدى المستثمرين لضخ استثمارات جديدة. وأوضح سعد، أن هناك مصانع يصعب إعادة تشغيلها وهذا يتوقف على حالة المعدات والآلات والسوق المحلية، وعلى المنتج المصنع نفسه، وإذا كانت السوق تحتاجه، كما أن 99% من هذا الملف يواجه متعثرات مالية ومشاكل قضائية، ويجب على الدولة إعادة النظر فى القضايا ضد المصانع وحل المشاكل فى التمويل، بإعادة تمويلهم مرة أخرى باتفاق بين الوزارات المعنية والبنك المركزي. وبين أن الفوائد الاقتصادية التى يجنيها الاقتصاد الوطنى من تشغيل المصانع المغلقة، تتمثل فى تقليل نسبة البطالة، وزيادة الإنتاجية من الناتج المحلى، وبالتالى معدل الإنتاجية يزيد وسيساهم فى خفض معدل التضخم، خصوصًا أن المصانع المتعثرة تشمل عدة قطاعات وتشغيلها يوفر قيمة مضافة وقيمة اقتصادية للدولة. من جانبه، قال الدكتور عبدالنبى عبدالمطلب، الخبير الاقتصادي، إن كل ما تم فى موضوع تشغيل المصانع المتعثرة، قبل التكليف الرئاسى الأخير للحكومة، كانت فقط توجهات لإيجاد حلول لإعادة تشغيل المصانع المتعثرة، وأن التكليف الأخير للحكومة كان شديد اللهجة، وتزامن مع توفير الحكومة مبلغ 1.6 مليار جنيه لتعويم المشروعات المتعثرة. ونوه عبدالمطلب إلى أن الإعلان عن تشكيل صندوق استثمار لتعويم المشروعات والشركات المتعثرة هو خطوة جيدة فى طريق إعادة تعويم هذه المصانع والشركات، لكن يبقى التنفيذ السليم لهذه الفكرة هو المحدد الأساسى لفشلها أو نجاحها. وأكد الخبير الاقتصادى إمكانية إعادة هيكلة هذه المشروعات ودعمها، وإعادتها إلى الاقتصاد المصري، فهذه المشروعات تمثل إضافة حقيقية للهيكل الإنتاجي، وهناك مشروعات يصعب هيكلتها، موضحًا أن الفيصل هنا هو أهمية المشروع وموقعه الجغرافى ونوعية الآلات والمعدات، فالمصانع التى تمتلك معدات متطورة وتلائم خطط الإنتاج والحفاظ على البيئة، وتستهلك مواد خام محلية، وتنتج قيمة مضافة عالية يجب وضعها على رأس المشروعات، أو تكون لها الأولوية القصوى. وشدد عبدالمطلب على الأهمية الاقتصادية لإعادة تعويم المشروعات المتعثرة كثيرة ومتنوعة، فهى تمثل إضافة للناتج المحلى الإجمالى وتؤدى إلى زيادة الإنتاج وخلق فرص للعمالة، كما أن زيادة الإنتاج تساهم فى زيادة المعروض المحلى من السلع، بما يساهم فى تقليل الواردات، وبالتالى تخفيض قيمة الواردات. وقال الدكتور عادل عامر، الخبير الاقتصادي، إن المصانع المتعثرة والمتوقفة يبلغ عددها 871 مصنعًا، منها 27 متعثرًا فعليًا مع البنوك، و80 مصنعًا لأسباب غير بنكية مثل مشاكل مع جهات أخرى، إلى جانب 107 مصانع غير متعثرة غير أنها تحتاج للتمويل. وأشار إلى أن أزمة هذه المصانع تتزامن مع الأزمات الاقتصادية التى واجهت الدولة فى السنوات الماضية، والدخول فى برنامج الإصلاح الاقتصادي، موضحًا أن المصانع المغلقة مشكلة قديمة، ترجع لسنوات ما قبل ثورة 25 يناير، إلا أن عددها كان محدودًا، وبعد الثورة زادت المشكلة؛ لتأتى كل حكومات هذه المرحلة بالحديث عن إعادة فتح هذه المصانع، وهو ما لم يحدث. ولفت عامر إلى زيادة المشكلة أكثر مع تراكم الديون على أصحابها حيث أغلقت المزيد من المصانع أبوابها، حتى وصل عددها إلى 4500 مصنع، منها 670 مصنعًا بالمنطقة الصناعية بمدينة 6 أكتوبر وحدها، وتحدثت الحكومة عن مبادرة لإعادة فتح هذه المصانع عن طريق ضخ 500 مليون جنيه فى شهر يونيو الماضي؛ لحل مشكلة هذه المصانع، إلا أن هذا لم يحدث حتى الآن، ولا تزال المشكلة قائمة. وأكد، أن إنشاء صندوق مخاطر لإعادة تشغيل المصانع المغلقة، خطوة جيدة ومهمة وأنه سيساهم فى تقليل الواردات، مع إعادة إنتاج الصناعات والمنتجات المتوقف تصنيعها منذ فترة، إلا أن هذا سيحتاج إلى وقت لإمكانية جمع المعلومات عن المصانع المتعطلة وكيفية إعادة تشغيلها. وأوضح عامر، أن قضية إعادة فتح المصانع المتعثرة مشروع قومى سيضيف مليارات للاقتصاد، ولا بد من وضع أسس لعمل الصندوق، فالمشكلة تمثلت طوال الفترة الماضية فى عدم تسهيل منح التراخيص والأمن الصناعى وعقود التمليك للمصنع وتسهيلات القروض والتمويل وتوصيل المرافق وتطبيق نظام الشباك الواحد ودعم الصناعات الصغيرة والمتوسطة لمن يرغب فى الحصول على مصنع. وبين أن تشغيل هذه المصانع المتوقفة يتطلب وجود إرادة سياسية، نابعة من رؤية استراتيجية لأهمية الصناعة كقاطرة للاقتصاد الوطني، ومن هنا لا بد من منح تشغيل هذه المصانع أولوية قصوى، وذلك بدراسة المشكلات التى أدت إلى تفاقمها بداية من الديون المتراكمة عليها للبنوك، وتحرير سعر الصرف وأثره، ومشكلات التسويق، وتفعيل المبادرات الحكومية التى نسمع عنها، ولا يتم تنفيذها، وتذليل كل العقبات التى كانت سببًا فى توقف هذه المصانع. وأشار «عامر» إلى أنه من المهم أن يكون أحد وسائل خروج هذه الشركات من تعثرها إيجاد حاضنات الأعمال المعنية باحتضان المشروعات وتوفير عدد من الخدمات لها، فى مقدمتها الإشراف الإدارى ووضع خطط لها لتسويق منتجاتها.