وزارة التموين: ثبات أسعار السلع التموينية لشهر يوليو 2024    مقتل قائد وحدة قناصة بجيش الاحتلال وإصابة 16 أخرين في كمين "جنين"    لعبة في الجول – يورو 2024.. توقع مشوار بطل يورو 2024    إصابة محمد شبانة بوعكة صحية على الهواء ونقله إلى المستشفى    ميدو يفتح النار على سيد عبدالحفيظ: "وريني نفسك جامد ولا لأ"    مدرب بلجيكا يشكو تأخر حافلة فريقه و"أقلام الليزر" فى بطولة أوروبا    أخبار مصر.. وزارة العمل تعلن عن 3162 فرصة جديدة فى 45 شركة ب12 مُحافظة    إصابة 3 أشخاص إثر حادث تصادم سيارتين بطريق الإسكندرية الصحراوى    آلة كذب متحركة وفاشل فى الجولف.. ترامب يشن هجوما على بايدن قبل المناظرة    فيلم عصابة الماكس يقترب من 14مليون جنيه إيرادات خلال 13يوم عرض    تقديم خدمات طبية ل 1230 مواطنًا بالقافلة الطبية المجانية بالحامول    الصحة تطلق حملة صيفك صحى بالتزامن مع ارتفاع درجات الحرارة    خبير مياه يكشف حقيقة مواجهة السد العالي ل«النهضة الإثيوبي» وسر إنشائه    كيف سترد روسيا على الهجوم الأوكراني بصواريخ "أتاكمز" الأمريكية؟    الدفاع الروسية تعلن تدمير 12 مركزًا للتحكم بالطائرات المسيرة في أوكرانيا    اللواء محمد إبراهيم الدويرى: التحركات المصرية فى القارة الأفريقية أساسية ومهمة    إزالة فورية لبناء مخالف في قنا    هيونداي تكشف عن سيارة كهربائية بسعر منخفض    تنفيذ فعاليات "يوم الأسرة" بمركز شباب قرية الديرس بحضور 50 أسرة بالدقهلية    مذكرة تفاهم بين المعهد القومي لعلوم البحار والهيئة العربية للتصنيع    الأرصاد تكشف موعد انكسار الموجة الحارة (فيديو)    خلافات أسرية.. استمرار حبس المتهم بقتل زوجته ضربًا في العمرانية    ضبط سلع منتهية الصلاحية بأرمنت في الأقصر    تحرير 24 ألف مخالفة مرورية متنوعة    مصدر أمني يكشف حقيقة سوء أوضاع نزلاء مراكز الإصلاح والتأهيل    «دفاع النواب»: 30 يونيو ستظل عنوانا للإرادة المصرية القوية التي لا تقهر    جامعة القاهرة تحتل المركز 271 عالميًا بتصنيف يو إس نيوز (US-News) ل 2024    تفاصيل إطلاق "حياة كريمة" أكبر حملة لترشيد الطاقة ودعم البيئة    "الأوقاف": ندوات ب 4 محافظات اليوم عن "مفهوم الوطنية الصادقة" بمناسبة ذكرى 30 يونيو    أمين الفتوى: المبالغة في المهور تصعيب للحلال وتسهيل للحرام    الشعب الجمهوري بالمنيا يناقش خريطة فعاليات الاحتفال بذكرى 30 يونيو    الجيش الإسرائيلى يستعد لخوض حرب مع حزب الله    رئيس الرعاية الصحية يُكرم الصيادلة والأطباء الأكثر تميزًا    المستشار حامد شعبان سليم يكتب عن : ماذا نقصد من قراراتنا000!؟    جامعة بنها تتقدم 370 مركزا على مستوى العالم بالتصنيف الأمريكي "US news"    مواجهات نارية.. مجموعة السعودية في تصفيات آسيا النهائية المؤهلة ل كأس العالم 2026    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الخميس 27-6-2024    محطات فنية بحياة الفنان الراحل صلاح قابيل فى ذكرى ميلاده    شوبير: أزمة بين الأهلى وبيراميدز بسبب الثلاثى الكبار بالمنتخب الأولمبى    السيسي يصدر قرارا جمهوريا جديدا اليوم.. تعرف عليه    الدوري المصري، زد في مواجهة صعبة أمام طلائع الجيش    لطلاب الثانوية العامة 2024، تعرف على كلية العلوم جامعة حلوان    وزير إسرائيلي: تدمير قدرات حماس في غزة هدف بعيد المنال    الصحة تحذركم: التدخين الإلكترونى يزيد من خطر الإصابة بالنوبات القلبية    حظك اليوم| برج السرطان الخميس 27 يونيو.. «يوم مثالي لأهداف جديدة»    طارق الشناوي: بنت الجيران صنعت شاعر الغناء l حوار    حظك اليوم| برج الحوت 27 يونيو.. «اتخذ خطوات لتحقيق حلمك»    جيهان خليل تعلن عن موعد عرض مسلسل "حرب نفسية"    «هو الزمالك عايزني ببلاش».. رد ناري من إبراهيم سعيد على أحمد عفيفي    ما تأثيرات أزمة الغاز على أسهم الأسمدة والبتروكيماويات؟ خبير اقتصادي يجيب    الكشف على 1230 مواطنا في قافلة طبية ضمن «حياة كريمة» بكفر الشيخ    هل يوجد شبهة ربا فى شراء شقق الإسكان الاجتماعي؟ أمين الفتوى يجيب    10 يوليو موعد نهاية الحق فى كوبون «إى فاينانس» للاستثمارات المالية    ميدو: الزمالك بُعبع.. «يعرف يكسب بنص رجل»    شوبير يُطالب بعدم عزف النشيد الوطني في مباريات الدوري (تفاصيل)    الحكومة تحذر من عودة العشوائية لجزيرة الوراق: التصدى بحسم    الكنائس تخفف الأعباء على الأهالى وتفتح قاعاتها لطلاب الثانوية العامة للمذاكرة    بيان مهم بشأن حالة الطقس اليوم.. والأرصاد الجوية تكشف موعد انتهاء الموجة الحارة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"البوابة نيوز" ترصد رحلة كسوة الكعبة من مصر إلى السعودية
نشر في البوابة يوم 08 - 09 - 2016

تحتل الكعبة المشرفة، منزلة خاصة فى قلوب جميع المسلمين، لا ينافسها فيها أحدٌ إلا الأنبياء وصحابتهم الكرام، فهى أول بيت وضع للناس، كما قال اللهُ (عز وجل) عنها فى القرآن الكريم، {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِى بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ.
فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} (96- 97/ آل عمران). وهى قبلة المؤمنين المصلين، وهى نقطة بدء طواف المسلمين ومنتهاه، لذلك تمنت جميع البلدان الإسلامية، أن تتولى شرف كسوة هذا المكان، عالى القدر، شريف المكانة.
کسوة الکعبۀ قبل الإسلام
وأول من كسا الكعبة المشرفة بكسوة كاملة، هو تبع أبى كرب أسعد، ملك حِميَر، فى العام 220 قبل الهجرة، وتقول إحدى الروايات، إن أول من كسا الكعبة جزئيًا هو نبيُ اللهِ إسماعيل، عليه السلام، وأول امرأة كست الكعبة هى نبيلة بنت حباب أم العباس بن عبدالمطلب، وفاءً لنذرٍ نذرته.
الکسوة فى عهد الرسول والخلفاء
ما إن فتح الرسول (صلى الله عليه وسلم) مكةَ المكرمة، حتى أبقى على كسوة الكعبة، ولم يستبدلها، حتى احترقت على يد امرأة تريد تبخيرها، فكساها الرسول، بالثياب اليمانية، ثم كساها الخلفاءُ الراشدون من بعده، أبوبكر الصديق، وعمر بن الخطاب (رضى الله عنهما) ب«القباطي»، وعثمان بن عفان (رضى الله عنه) ب«القباطي» و«البرود اليمانية».
حيث أمر عاملَه على اليمن، «يعلى بن منبه»، بصنعها، فكان عثمانُ أولُ رجلٍ فى الإسلام، يضع على الكعبة كسوتين، إحداهما فوق الأخرى، أما على (رضى اللهُ عنه)، فلم يذكر المؤرخون أنه كسا الكعبة، نظرًا لانشغاله بالفتن، التى وقعت فى عهده، ومنذ عام الفتح وحتى يومنا هذا، انفرد المسلمون بكسوة الكعبة المشرفة.
کسوة الکعبۀ فى عهد بنى أمية
وفى عهد بنى أمية، استمرت كسوة الكعبة من بيت مال المسلمين، وكانت أيضًا تُكسى مرتين فى السنة، إلا أنه تغير موعد كسائها، فالأولى كانت يوم عاشوراء، والثانية كانت فى آخر رمضان، واستمرت كسوة الكعبة فى عهد العباسيين مرتين فى السنة، حتى عهد الخليفة العباسى المأمون، حيث كسيت ثلاث مرات فى السنة: الأولى بالديباج الأحمر يوم التروية، والثانية بالقباطى فى غرة رجب، والثالثة بالديباج الأبيض فى 27 رمضان، وبدأت تكسى بالديباج الأسود منذ كساها الناصر لدين الله أبوالعباس أحمد الخليفة العباسى، واستمرت على لونها هذا إلى يومنا.
کسوة الکعبة في العصر العباسي
اهتم الخلفاء العباسيون بكسوة الكعبة المشرفة اهتمامًا بالغًا، لم يسبقهم إليه أحد، نظرًا لتطور النسيج والحياكة والصبغ والتلوين والتطريز، لذلك بحث العباسيون عن خير بلد تصنع أجود أنواع الحرير، فوجدوا غايتهم فى «مدينة تنيس» المصرية، التى اشتهرت بالمنتجات الثمينة الرائعة، فصنعوا بها الكسوة الفاخرة، من الحرير الأسود، على أيدى أمهر النساجين، وكانت لها قريتان «تونة وشطا» اشتهرتا أيضًا بصنع التطريز.
وعندما حج المهدى العباسى عام 160ه، ذكر له سدنة الكعبة أن الكسا كثرت على الكعبة، والبناء ضعيف، ويُخشى أن يتهدم من ثقل ما عليه، فأمر بتجريدها مما عليها، وألا يُسدلَ عليها إلا كسوة واحدة، وهو المتبع إلى الآن، ثم أمر فطُليَّ البيتُ كلُه بالخلوق الغالية، والمسك والعنبر. وبعد عامين، أمر المهديُ بصنع كسوة أخرى للكعبة المشرفة فى تنيس بمصر، أما هارون الرشيد فأمر بصنع الكسوة من طراز تونة عام 190ه.
كما ظهرت الكتابة على كسوة الكعبة المشرفة، منذ بداية العصر العباسى، فكان الخلفاءُ من الأمراء يكتبون أسماءهم على الكسوة، ويقرنون بها اسم الجهة التى صُنِعَت بها، وتاريخ صنعها، كما هى العادة الجارية حتى اليوم.
کسوة الكعبة في عصر المماليك
وبعد سقوط الدولة العباسية عام 656ه، كان أول من كساها من ملوك مصر المملوكية، الظاهر بيبرس البندقدارى، واستمرت الكسوة ترد من مصر حينًا ومن اليمن حينًا آخر، حتى عهد الملك الصالح إسماعيل بن ناصر بن قلاوون، الذى اشترى عام 750ه ثلاث قرى، هي: بيسوس وسندبيس وأبوالغيط، من قرى القليوبية، ودفع ثمنها من بيت مال المسلمين، ثم وقفها على كسوة الكعبة المشرفة.
کسوة الکعبة في العصر العثماني
بعد أن بسط السلطان سليم الأول سيطرته على بلاد الشام، ودخل القاهرة فى شهر المحرم عام 923ه، ودخل الحجاز سلميًا فى حوزة الدولة العثمانية، كان من دواعى فخره واعتزازه أن يُلَقِب نفسَه بخادم الحرمين الشريفين، ومن ثم اهتم أثناء إقامته فى مصر بإعداد كسوة الكعبة المشرفة، وكسوة لضريح الرسول، وكسوة لمقام إبراهيم (عليه السلام)، كما صنع كسوة للمحمل جديدة، وكتب اسمَه على هذه الكسا، التى بلغت غاية الإتقان والزخرفة.
ومنذ تلك الآونة ظلت كسوة الكعبة المشرفة، تُرسَل سنويًا من مصر، من ريع الوقف الذى وقفه الملك الصالح إسماعيل، إلى أن كان عهد السلطان سليمان القانونى، فوجد أن ريع هذا الوقف قد ضعف وعجز عن الوفاء، فأمر بشراء سبع قرى إضافة إلى الثلاث السابقة عام 947ه، لتصبح عشر قرى، يُنفَق من ريعها على الكسوة الشريفة، فأصبح وقفًا عامرًا فائقًا مستمرًا.
وكان ذلك من أعظم مزايا السلاطين العثمانيين، لأن مكة كانت لها مكانة خاصة فى نفوسهم، فكانوا ينتهزون أى فرصة للتعبير عن محبتهم واحترامهم للأمراء وأهل مكة، بوصفهم منتسبين إلى آل البيت، واستمرت مصر فى إرسال الكسوة والمحمل إلى مكة المكرمة، حتى عام 1221ه.
وفى العام التالى، كان المد السعودى على مكة المكرمة، فى عهد الإمام سعود الكبير، فتقابل مع أمير المحمل المصرى، وأنكر عليه البدع، التى تصحب المحمل من طبل وزمر وخلافه، وحذره من معاودة المجيء إلى الحج بهذه الصورة، فتوقفت مصر عن إرسال الكسوة الخارجية، فكساها الأمير سعود الكبير، كسوةً من القز (الحرير) الأحمر، ثم كساها بعد ذلك بالديباج والقيلان الأسود، من غير كتابة، وجعل إزارها وكسوة بابها «البرقع» من الحرير الأحمر المطرز بالذهب والفضة.
وبعد سقوط الدرعية، على يد جنود محمد على باشا، وعودة السيادة العثمانية على الحجاز، استأنفت مصرُ إرسال الكسوة فى عام 1228ه، فى إطار جديد، وهو الصرف على شئون الكسوة من الخزانة المصرية مباشرة، بعد أن كان يُنفَق عليها من أوقاف الحرمين الشريفين، لكن الخديو محمد على باشا حل ذلك الوقف، وادخل إيراداته الخزانة المصرية، وترتب على ذلك أن أصبحت الظروف السياسية، وطبيعة العلاقات مع حكومة مصر، والسلطات الحاكمة فى الحجاز، تؤثران إلى حدٍ كبير، فى إرسال الكسوة من مصر أو توقفها.
کسوة الکعبة من مصر
ثم أخذ ملوك اليمن، وملوك مصر، يتعاقبون على كسوة الكعبة، حتى تفردت مصر بكسوتها، فقد كانت تأتى من مصر، من مال الوقف الذى وقفه الملك الناصر ابن قلاوون على الكسوة، منذ عام 750ه، ثم صارت بعد ذلك ترسل من قبل الحكومة المصرية، وكلما وقع خلاف بين الحكومة المصرية والحكومة التى تتولى أمر الحجاز امتنعت الحكومة المصرية من إرسال الكسوة.
حصل ذلك عدة مرات، قبل تولى الملك عبدالعزيز (رحمه الله) الحكم فى الحجاز، وبعد توليه الحكم، وفى عام 1344ه، حدثت حادثة المحمل المصرى المشهورة، حيث امتنعت مصر، عن إرسال الكسوة فى عام 1345ه، شعرت بذلك الحكومة السعودية، فى غرة شهر ذى الحجة، فصدر الأمر الملكى الكريم بعمل كسوة الكعبة المشرفة لهذه السنة بأسرع ما يمكن، وفى أيام معدودة، حتى يتم إكساء الكعبة فى العاشر من ذى الحجة، وبالفعل تم ذلك، وكانت البداية لصنع الكسوة فى مكة المكرمة، فى العهد السعودى.
کسوة الکعبة في العهد السعودي
ظلت كسوة الكعبة المشرفة ترسل من مصر عبر القرون، باستثناء فترات زمنية قصيرة ولأسباب سياسية، إلى أن توقف إرسالها نهائيًا من مصر سنة 1381ه، حيث اختصت المملكة العربية السعودية بصناعة كسوة الكعبة المشرفة إلى يومنا هذا. ويرجع اهتمام المملكة بصناعة الكسوة إلى ما قبل عام 1381ه، وتحديدًا منذ عام 1345ه، حين توقفت مصر عن إرسال الكسوة، بعد حادثة المحمل الشهيرة، فى العام السابق 1344ه.
وفى مستهل شهر المحرم من عام 1346ه، أصدر الملك عبدالعزيز، أوامره بإنشاء دار خاصة بصناعة الكسوة، وأنشئت تلك الدار بمحلة أجياد، أمام دار وزارة المالية العمومية، بمكة المكرمة، تمت عمارتها فى نحو الستة الأشهر الأولى من عام 1346ه، فكانت هذه الدار أول مؤسسة خصصت لحياكة كسوة الكعبة المشرفة بالحجاز، منذ كُسيَت الكعبة، منذ العصر الجاهلى وحتى العصر الحالى.
وأثناء سير العمل فى بناء الدار، كانت الحكومة السعودية تقوم من جانب آخر، ببذل الجهود لتوفير الإمكانيات اللازمة للبدء فى وضع الكسوة، والتى تتألف من المواد الخام اللازمة لمصنع الكسوة، من حرير ومواد الصباغة، ومن الأنوال التى ينسج عليها القماش اللازم لصنع الكسوة، وقبل كل ذلك، وبعده الفنيين اللازمين للعمل فى شتى المراحل.
وعلى الرغم من أن هذه العناصر الأساسية، التى يجب توفرها لمصنع الكسوة، لم يكن أى منها متوفرًا لدى المملكة حين ذلك، فقد بذلت الحكومة السعودية جهودًا كبيرة فى سبيل توفيرها، فى الوقت المناسب، وقد تحقق لها ذلك، حيث تم بناء المصنع الجديد من طابق واحد فى ستة أشهر.
وفى أول رجب من نفس العام 1346ه، وصل من الهند إلى مكة المكرمة اثنا عشر نولًا يدويًا، وأصناف الحرير المطلوبة، ومواد الصباغة اللازمة بذلك، والعمال والفنيون اللازمون، وكان عددهم ستين عاملًا، أربعون منهم من «المعلمين»، الذين يجيدون فن التطريز على الأقمشة، وعشرون من العمال المساعدين، وعند حضورهم إلى مكة المكرمة نصبت الأنوال، ووزعت الأعمال، وسار العمل على قدم وساق، فى صنع الكسوة وتطريزها، حتى تمكنوا من إنجازها فى نهاية شهر ذى القعدة عام 1346ه.
جدير بالذكر أن تلك الكسوة صُنِعَت على غرار الكسوة المصرية، فكانت على أحسن صورة، من حُسنِ الحياكة، وإتقان الصُنع، وإبداع التطريز، يزينُها الحريرُ الأسود، الذى نُقِشَت عليه «لا إله إلا الله محمد رسول الله»، على شكل رقم (8)، وفى أسفل التجويف (يا الله)، وفى الضلع الأيمن من أعلى الرقم (8) (جل جلاله)، وكذلك فى أعلى الضلع الأيسر (جل جلاله)، أما الحزام فكان عرضه مثل عرض الحزام الذى كان يُصنَع فى مصر، مطرزًا بالقصب الفضى المموه بالذهب.
أما تلك الكتابات التى كُتِبَت على الحزام، فهى نفسُ الآيات القرآنية، التى كانت تُكتَب على حزام الكسوة المصرية، فى جميع جهاتها، باستثناء الجهة الشمالية المقابلة لحجر إسماعيل، حيث كُتِبَ على الحزام من تلك الجهة، العبارة التالية «هذه الكسوة صنعت فى مكة المباركة المعظمة، بأمر خادم الحرمين الشريفين، جلالة الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل آل سعود، ملك المملكة العربية السعودية».
أما البرقع «ستارة باب الكعبة المشرفة»، فقد صُنِعَ أيضًا على غرار البرقع المصرى، وكُتِبَت عليه نفسُ الآيات القرآنية، والعبارات التى كانت تُكتَب على برقع الكسوة المصرية، باستثناء المستطيلات الأربعة التى تتوسط البرقع، والتى كان يُكتَبُ عليها عبارة الإهداء فى الكسوة المصرية، حيث استبدل بها قوله تعالى: «وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً. وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا» (سورة الإسراء: 81-82)، ثم أضيفت فى ذيل البرقع دائرتان صغيرتان مكتوب فى داخلهما عبارة: «صنع بمكة المكرمة».
وقد كسيت الكعبة المشرفة فى ذلك العام 1346ه، بهذه الكسوة، التى تُعتَبَر أولُ كسوةٍ للكعبة تُصنَع فى مكةَ المكرمة، وظلت دار الكسوة بأجياد، تقوم بصناعة الكسوة الشريفة، منذ تشغيلها فى عام 1346ه، واستمرت فى صناعتها حتى عام 1358ه، ثم أُغلِقَت الدار، وعادت مصرُ، بعد الاتفاق مع الحكومة السعودية، إلى فتح أبواب صناعة الكسوة بالقاهرة عام 1358ه، وأخذت ترسل الكسوة إلى مكة المكرمة سنويًا حتى عام 1381ه.
ولاختلاف وجهات النظر السياسية بين مصر والدولة السعودية، توقفت مصر عن إرسال الكسوة الشريفة منذ ذلك التاريخ، وأعادت الدولة السعودية فتح وتشغيل مبنى تابع لوزارة المالية، بحى جرول، يقع أمام وزارة الحج والأوقاف سابقًا، والذى أسندت إليه إدارة المصنع، ولم يكن لديها وقت لبناء مصنع حديث.
وظل هذا المصنع يقوم بصنع الكسوة الشريفة حتى عام 1397ه، حيث نُقِلَ العملُ فى الكسوة إلى المصنع الجديد، الذى تم بناؤه فى منطقة أم الجود، بمكة المكرمة، وما زالت الكسوة الشريفة تُصنَعُ بهِ إلى يومنا هذا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.