10 صور ترصد انطلاق العام الدراسي الجديد بكليات جامعة الإسكندرية    وزيرا خارجية مصر والكونغو يتفقان على مواصلة التعاون في كافة المجالات    آداب عين شمس كاملة العدد في أول يوم دراسي (فيديو وصور)    حفيد عبد الناصر: الزعيم يعيش فى قلب كل مصرى    تعرف على موعد حفلات تخرج دفعات جديدة من كلية الشرطة والأكاديمية العسكرية    سعر الذهب اليوم السبت في مصر يهبط مع بداية التعاملات    أسعار الدواجن ترتفع اليوم السبت بالأسواق (موقع رسمي)    4 نوفمبر المقبل آخر مهلة، خطوات التصالح في مخالفات البناء بالمدن الجديدة    سعر الدينار الكويتي مقابل الجنيه المصري اليوم السبت 28-9-2024 في البنوك    تداول 47 ألف طن بضائع عامة ومتنوعة بموانئ البحر الأحمر    وزير الخارجية يشارك في الجلسة الطارئة لمجلس الأمن    إيران تتعهد بملاحقة إسرائيل في المحافل الدولية    إسقاط صاروخ "أرض-أرض" فوق شمال إسرائيل    الهند تحذر:استمرار باكستان في الإرهاب سيؤدي إلى عواقب وخيمة    تشكيل الهلال المتوقع لمواجهة الخلود بالدوري السعودي    جمهور الزمالك يهاجم إمام عاشور واللاعب يرد (صور)    تشكيل أرسنال المتوقع أمام ليستر سيتي.. تروسارد يقود الهجوم    تجديد حبس عاطلين متهمين ب سرقة سيارة في الشروق    30 يومًا.. خريطة التحويلات المرورية والمسارات البديلة بعد غلق الطريق الدائري    بأوتبيس نهري.. تحرك عاجل من محافظ أسيوط بعد فيديوهات تلاميذ المراكب    تكثيف أمني لكشف غموض العثور على جثة سيدة مقطوعة الرأس بقنا    3 أفلام سورية بمهرجان ليبيا السينمائي الدولي للأفلام القصيرة    بسبب طليقته.. سعد الصغير أمام القضاء اليوم    بمشاركة فريق مسار إجباري.. حكيم يشعل المنيا الجديدة بإحتفالية ضخمة وكلمة مؤثرة عن سعادته الحقيقية    في اليوم العالمي للمُسنِّين.. الإفتاء: رعاية كبار السن واجب ديني واجتماعي يجب الالتزام به    الرقابة الصحية تبحث التعاون في مجال السياحة العلاجية بين مصر وتركيا    أفضل الطرق الطبيعية للتخلص من دهون البطن    وزير الصحة: مصر مصنفة من أكثر البلاد استهلاكا للأدوية في العالم    أستاذ علوم سياسية: إسرائيل دولة مارقة لا تكترث للقرارات الدولية    وزارة العمل تستعرض أهم الملفات أمام رئيس مجلس الوزراء.. وتعاون مع "التعليم" في مجالات التدريب المهني    الباذنجان 3.5 جنيه، ننشر أسعار الخضراوات اليوم السبت بسوق العبور    مجسمات لأحصنة جامحة.. محافظ الشرقية يكرم الفائزين في مسابقة أدب الخيل    التفاصيل الكاملة لحفل أحمد سعد بمهرجان الموسيقى العربية    شهداء وجرحى في غارات إسرائيلية متواصلة تستهدف بعلبك والمناطق الجنوبية اللبنانية    إنفوجراف| حالة الطقس المتوقعة غدًا 29 سبتمبر    مقتل شخص في مشاجرة بسبب خلافات سابقة بالغربية    بسبب خلاف حول الأجرة، حبس سائق توك بتهمة قتل شاب في السلام    4 شهداء في قصف للاحتلال وسط قطاع غزة    عقوبات الخطيب على لاعبي الأهلي بعد خسارة السوبر؟.. عادل عبدالرحمن يجيب    عودة أسياد أفريقيا.. بهذه الطريقة أشرف ذكي يهنئ الزمالك بالسوبر الأفريقي    45 دقيقة متوسط تأخيرات القطارات على خط «طنطا - دمياط» 28 سبتمبر 2024    أمين الفتوى: حصن نفسك بهذا الأمر ولا تذهب إلى السحرة    مواقف مؤثرة بين إسماعيل فرغلي وزوجته الراحلة.. أبكته على الهواء    طعنة نافذة تُنهي حياة شاب وإصابة شقيقه بسبب خلافات الجيرة بالغربية    جوميز: الزمالك ناد كبير ونسعى دائمًا للفوز    مع تغيرات الفصول.. إجراءات تجنب الصغار «نزلات البرد»    حسام موافي: لا يوجد علاج لتنميل القدمين حتى الآن    جامعة طنطا تواصل انطلاقتها في أنشطة«مبادرة بداية جديدة لبناء الإنسان»    عبد المجيد: التتويج بالسوبر سيمنحنا دفعة معنوية لتحقيق الدوري والكونفدرالية    ستوري نجوم كرة القدم.. احتفال لاعبي الزمالك بالسوبر.. بيلينجهام وزيدان.. تحية الونش للجماهير    فتوح أحمد: الزمالك استحق اللقب.. والروح القتالية سبب الفوز    ألسنة لهيب الحرب «الروسية - الأوكرانية» تحاصر أمريكا    الوكيل: بدء تركيب وعاء الاحتواء الداخلي للمفاعل الثاني بمحطة الضبعة (صور)    وزير الخارجية يتفقد القنصلية المصرية في نيويورك ويلتقي بعض ممثلي الجالية    برج القوس.. حظك اليوم السبت 28 سبتمبر 2024: لديك استعداد للتخلي عن حبك    تزامنا مع مباراة الأهلي والزمالك.. «الأزهر للفتوى» يحذر من التعصب الرياضي    أذكار الصباح والمساء في يوم الجمعة..دليلك لحماية النفس وتحقيق راحة البال    علي جمعة: من المستحب الدعاء بكثرة للميت يوم الجمعة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"هيكل"
نشر في البوابة يوم 15 - 02 - 2016


«خريف الغضب» هو أول كتاب قرأته لمحمد حسنين هيكل.
خلال السبعينيات اختفى الرجل من ساحة الصحافة والسياسة المصرية عقب صدامه مع الرئيس أنور السادات ورحيله عن «الأهرام»، وحلول كتاب آخرين يساندون ويروجون للسادات وسياساته المثيرة للجدل، ولكن اسم هيكل كان مبجلا ومعشوقًا لدى الناصريين واليساريين، وهؤلاء كانوا أكثر المتحمسين لكتابه «خريف الغضب» الذى يصب فيه جام غضبه على السادات. وهكذا، عندما انضممت إلى «حزب التجمع» اليسارى فى النصف الأخير من الثمانينيات سمعت عن كتاب «خريف الغضب» واستعرته من أحد الأصدقاء وزملاء الحزب الأكبر سنًا.
بغض النظر عن مضمون الكتاب، أبهرنى أسلوب هيكل الأدبى وقدرته الهائلة على تقديم وترتيب وتحليل المعلومات وعلى طرح أفكاره بوضوح...أما العنف الذى يحتويه، وأما الانحياز الذى يخاصم الموضوعية أحيانًا، وأما الانفعال الصاخب والساخن فى مفرداته وتعبيراته، فلم تقلل من إعجابى بالكتاب، بل على العكس كانت تتماشى مع عقلى المراهق وميولى السياسية الراديكالية.
كان هيكل، وربما لم يزل، أيقونة حية للناصريين بالأخص، ولليساريين بشكل عام، ولكن بعد أن تخطيت مراهقتى الشخصية والسياسية بقى هيكل، ولم يزل، بالنسبة لى، قامة ممتدة ومثلا أعلى ونموذجًا حيًا لما يجب أن يكون عليه الصحفى والمفكر والمحلل والكاتب بشكل عام.
فيما بعد قرأت العديد من كتب هيكل الأخرى، وحرصت على متابعة مجلة «وجهات نظر» التى دأب على كتابة المقال الافتتاحى لها حتى مقاله التاريخى «استئذان فى الانصراف» عام 2003، العام الذى وصل فيه إلى سن الثمانين، وأعلن فيه اعتزاله الكتابة، ربما يأسًا من عصر مبارك وقمعه، وفى كل هذه الكتب والكتابات كان هيكل مصدرًا لا ينضب للمعرفة والتعلم ومتعة القراءة.
لا يهم نوع الموضوع الذى يكتب فيه هيكل.. هل هو تحليل لوقائع العدوان الثلاثى من خلال وثائق المخابرات البريطانية، أم سرد لرحلته إلى إيران السبعينيات، أم حكايات «خفيفة» عن علاقة عبدالناصر بمثقفى وفنانى عصره، مهما كان الموضوع الذى يكتب فيه هيكل فإن كتابته تتسم بالعناصر التالية التى يجب أن يتعلم منها كل من يمتهن الكتابة:
- المعلومات الموثقة بالتواريخ والأماكن وشهادات الذين تخصهم المعلومة.
- السرد السلس والترتيب المنطقى للمعلومات والوصف الكافى والدقيق للتفاصيل.
- الثقافة الواسعة ليس فقط فى السياسة ولكن فى شتى مجالات المعرفة والأدب، وقدرته على الاقتباس والتضمين لهذه المعارف العامة فى مقالاته السياسية، وهو ما يرقى بها إلى مصاف الكتابة الأدبية ويعصمها من الوقوع فى جفاف وبرودة التحليل السياسى المحض.
- علاقته المباشرة بالشخصيات المهمة فى مجالات السياسة والمجتمع والثقافة والفن، وامتلاكه لعين صحفى ماهر فى وصف هذه الشخصيات وتفاصيل سلوكها والتفاصيل المحيطة بالمكان والحدث.
- التحليل الذكى وفقًا لخطة محكمة يبدأ وينتهى بها المقال أو فصل الكتاب، بحيث يبدو كوحدة موضوعية متكاملة ووافية، وبحيث يشكل هذا المقال أو الفصل جزءًا لا يتجزأ من فكرة وخطة العمل كله.
يندر جدا فى أعمال هيكل أن تجد حشوًا يمكن الاستغناء عنه، أو نقصًا فى جزء كان يستدعى المزيد من المعلومات أو التحليل، أو أن تجد تكرارًا لا داعى له، أو اضطرابًا وتشوشًا فى الرؤية.
- صفة أخرى تتسم بها كتابة هيكل هى قدرته اللغوية الجبارة، سواء فى ثراء مفرداته واستخدامها فى المكان المناسب أو فى تركيبة الجملة والفقرة بشكل دقيق كما لو كانت بناء معماريا محكما، لا يختل مهما قصرت أو طالت هذه الجملة أو تلك الفقرة.
فى الأول وفى الآخر ينتمى هيكل، المولود عام 1923، العام الذى حصلت فيه مصر على أول دستور لها بعد قرون من الاحتلال، إلى جيل من العمالقة فى الأدب والفن والصحافة والسياسة، وإلى عصر نهضة عميقة وشاملة فى المجتمع المصرى، كان التعليم فيها تعليمًا بحق، والصحافة صحافة بحق، والحياة السياسية حيوية بحق.
جيل هيكل، الذى أصبح صحفيًا قبل أن يكمل عامه العشرين، يضم أسماء بحجم نجيب محفوظ فى الأدب وعبدالوهاب وأم كلثوم فى الغناء والتابعى ومصطفى وعلى أمين فى الصحافة.. جيل تفتح وعيه على الاعتزاز ببلده وتاريخه وقيمته وعلى الثقة المطلقة فى قدرته ومستقبله.. جيل يؤمن بالمعجزات قادر على صنع المعجزات كل فى مجاله.
لم تكن مصادفة أن يتحول محفوظ إلى أديب عالمى، ولا أم كلثوم إلى مطربة عالمية، وكذلك لم تكن مصادفة أن يصبح محمد حسنين هيكل هو المحلل السياسى العربى الوحيد الذى تترجم أعماله إلى عشرات اللغات العالمية.
هذا جيل تربى على المناداة بالحرية والعيش بحرية فى زمن الليبرالية والديمقراطية السياسية.. حتى لو كانت هذه الحرية منقوصة بحكم وجود الاستعمار الإنجليزى والنظام الملكى الإقطاعى والتفاوت الكبير بين الطبقات، ولكن المجتمع بأسره كان يقاوم ويناهض الاستعمار والطغيان والظلم الاجتماعى.
كانت ثورة يوليو 1952، أو «حركة» الضباط التى احتضنها الشعب وصنع منها ثورة، هى ذروة هذا النضال الممتد، وكان هيكل فى قلب هذه الثورة، مراقبًا وفاعلًا وصديقًا مقربًا وناصحًا لرجالها. وكان الانتصار على العدوان الثلاثى هو الفصل الأخير من هذه النهضة الممتدة منذ العشرينيات، وبداية تاريخ آخر من القمع والرجعية بدأت بهزيمة 1967، ولم تنته بثورة يناير 2011، التى كانت صرخة حرية وكرامة هائلة ضد التخلف والفساد والظلم الاجتماعى.
ربما ظل هيكل أسيرًا لسنوات الليبرالية الأولى، وربما ظل أسيرًا لسنوات قربه من السلطة فى عهد عبدالناصر، ولكنه سيظل دائمًا أستاذًا لكل من أراد تعلم الصحافة والكتابة والتحليل السياسى.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.