يشهد الشرق الأوسط والعالم موجة عاتية من الرياح الشديدة وهطول أمطار وسيول غزيرة، وكأن شتاء 2015-2016 قرر أن يثور ويتسبب فى خسائر بالغة، سواء فى البنى التحتية للمدن والمنشآت أو الأرواح، فخلال النصف الثانى من فصل الخريف وطوال شهرى نوفمبر وديسمبر نشهد موجة غير مسبوقة من الأمطار الغزيرة التى لم يرها العالم خلال ال200 عام الماضية. ويكشف غضب الطبيعة عدم قدرة العديد من الدول على مواجهة تلك الكوارث، وهو ما حدث فى عدة مناطق، منها الإسكندرية التى تحول بعض شوارعها إلى ما يشبه البحيرات المائية، وأدت إلى قتل خمسة أشخاص رجل وولدين صعقا بالكهرباء بعد سقوط سلك الترام عليهم، والرابع صعقا عندما سقط فى حفرة امتلأت بمياه الأمطار وبها أسلاك مكشوفة، والخامس مات غرقا فى سيارته التى غمرتها المياه وجرفتها ولم يستطع الخروج منها. ويضرب الإعصار تشابالا الأسبوع الجارى -بحسب تقرير المنظمة العالمية للأرصاد الجوية- عدة مناطق فى الخليج العربى منها اليمن وسلطنة عمان، والذى قد يتسبب فى فيضانات وانهيارات أرضية وضرر بالبنية التحتية، خصوصا أن المنطقة لم تستعد لأحوال المناخ الصعبة من قبل. ووفقا لصحيفة «هافنجتون بوست» الأمريكية فإن الإعصار ستصاحبه رياح تصل سرعتها إلى 143 كيلومترا فى الساعة أى عاصفة تعادل إعصارا من الفئة الرابعة، وأوضحت كلير نوليس المتحدثة باسم المنظمة العالمية للأرصاد الجوية التابعة للأمم المتحدة أن خطورته تنبع من أنه يضرب منطقة غير معتادة، على أن تشهد مثل ذلك الطقس، مضيفة أن الرياح تمثل خطرا كبيرا، وهطول الأمطار قد يصل لأكثر من أمطار عام خلال يومين. وشهدت عدة مدن فى المنطقة والعالم طقسا ومشاهد مماثلة للتى شهدتها مدينة الإسكندرية منها العاصمة اللبنانية بيروت التى تحولت طرقاتها إلى أنهار مائية، بعد أن غمرتها مياه أمطار غزيرة، وقام نشطاء «طلعت ريحتكم» بأنفسهم بجمع وفرز نفايات فى نهر بيروت جرفتها الأمطار الغزيرة. كما ضربت موجة من الأمطار عدة مناطق فى العراق، وتعطلت الدراسة الأسبوع الماضى بعد غرق العديد من الشوارع الرئيسية والفرعية فى معظم مناطق بغداد، فيما حولت الأمطار الغزيرة شوارع مدينة حلب فى سوريا إلى برك وبحيرات مائية. وفى الولايات المتحدة ضرب إعصار باتريشيا ولاية تكساس الأمريكية، وتسببت الأمطار الغزيرة فى حالة شلل تام بشوارع الولاية، فضلا عن حدوث فيضانات بسبب الإعصار الذى ضرب جنوب غرب المكسيك أيضا، ويقول ريان موى، الخبير الأمريكى فى الأرصاد، إن الساحل الشرقى من الولايات المتحدة يشهد كارثة حقيقية. بدورها حذرت إدارة الأرصاد الجوية التايلاندية سكان الأقاليم الجنوبية، التى تعانى بالفعل من فيضانات غامرة، من هبوب رياح قوية وهطول أمطار غزيرة، مع اقتراب وصول بقايا عاصفة جانجمى الاستوائية للمنطقة، كما أصدرت وزارة الوقاية من الكوارث والتخفيف من آثارها تحذيرات شديدة بشأن إمكانية حدوث انهيارات أرضية وأمواج عاتية. وضربت أمطار غزيرة وفيضانات 5 مخيمات تأوى نحو 90 ألف لاجئ صحراوى فى منطقة تندوف بالجزائر، مما أحدث أضرارا كبيرة، وفقا للمفوضية العليا للاجئين فى الأمم المتحدة. وأودت الفيضانات الناجمة عن الأمطار الغزيرة غربى إيران، بحياة ستة أشخاص على الأقل، فيما اعتبر آخر مفقودا حيث ضربت الفيضانات محافظتى «إيلام» و«لورستان»، اللتين شهدتا هطول أمطار غزيرة العام الجارى، وألحقت أضرارا جسيمة بالمنشآت. ويعزو العلماء ذلك الطقس الكارثى إلى خلل فى ظاهرة النينو التى أدت إلى عواصف وأعاصير وبرد شديد وحر شديد خلال السنوات الماضية فى كل العالم، وتتوقع النشرات الجوية مزيدا من العواصف الرعدية الأسبوع المقبل. لم يستقل أحد ولم تسفر الكوارث الطبيعية فى العالم عن استقالات للمسئولين، فمثلا عندما ضرب إعصار ساندى فى 2012 الولايات المتحدة وجامايكا، وكوبا، وجزر البهاما وسواحل كنداالشرقية وهاييتى وجمهورية الدومينيكان لم تتم إقالة مسئول واحد فى تلك الدول، ولم يتقدم أحد باستقالته، رغم أن مدينة نيويورك سجلت رقما قياسيا فى ارتفاع الفيضانات، حيث بلغ ارتفاع المياه أربعة أمتار، وأغلقت الكثير من المحال والمنشآت والشوارع ووصلت الأضرار التى خلفها الإعصار إلى ما قيمته 20 مليار دولار أمريكى، وتم إغلاق بورصة نيويورك لمدة يومين وإلغاء 610 آلاف و800 رحلة جوية، وقد بلغت قوة الرياح 280 كم فى الساعة. وأثر الإعصار على 24 ولاية على الأقل، من فلوريدا إلى نيو إنجلاند، وأدت الزوابع إلى فيضانات عديدة فى الشوارع والأنفاق وقنوات المترو فى مانهاتن السفلى وكونى آيلاند وجزيرة ستاتن، وحدثت أضرار شديدة فى نيو جيرسى. وراح ضحيته فى الولايات المتحدة حوالى 131 شخصا ووصلت قيمة الخسائر إلى 63 مليون دولار، وفى هاييتى راح ضحيته 114 شخصا، وفقد حوالى 15 ووصلت قيمة الأضرار إلى 100 مليون دولار، وفى كوبا راح ضحيته 11، ووصلت قيمة الأضرار والخسائر إلى 2 مليار دولار، وفى جزر الباهاما راح ضحيته شخصان، ووصلت قيمة الخسائر إلى 300 مليون دولار، وفى كندا توفى شخصان ووصلت قيمة الأضرار إلى 100 مليون دولار، وفى الدومينيكان قتل شخصان ووصلت الخسائر إلى 30 مليون دولار، وفى جامايكا راح ضحيته شخص واحد وخسائر وصلت قيمتها إلى 55.23 مليون دولار. المواجهة بالتكنولوجيا ومن ضمن الطرق التكنولوجية التى تحاول الدول بها الحد من الخسائر التى تخلفها الفيضانات التى يتسبب فيها الطقس غير المتوقع، الأسفلت الذى يمتص الماء والذى قامت شركة «توبميكس» البريطانية باختراعه، وهو مصنوع من خرسانة مسامية يمكنها مص ما يصل إلى 4000 لتر من الماء فى أول 60 ثانية، وبمعدل 600 لترا فى الدقيقة الواحدة للمتر المربع ويتم توصيلها مع شبكة الصرف التى ترتبط مع خزانات المياه الجوفية فى المدينة، وفى البرازيل تم ابتكار أنواع من المواد المصممة لامتصاص مياه الفيضانات والحفاظ على الطرق مفتوحة وآمنة أثناء هطول الأمطار الغزيرة، وفى أستراليا تم تطوير أنواع ذكية من بالوعات صرف المياه على الطرق، مزودة بأجهزة استشعار دقيقة للغاية يمكنها التنبؤ بالأمطار قبل هطولها وتحديد قوتها وحجمها، وبمجرد أن تبدأ فى الهطول تقوم البالوعات بفتح جزء منها من أجل تسريب المياه مباشرة وإغلاق نفسها مرة أخرى عند انتهاء فترة الأمطار، وربما تكون جاهزة للتداول خلال الأعوام المقبلة.