تأثرت البنوك في مصر بشكل كبير بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير فقد شهدت عدة إضطرابات وتغيرات تعكس مدى تغير الأداء الاقتصاد للبلاد فبداية بالخسائر التي تعرضت لها بعد محاولات السرقة وإحداث التلفيات ثم إغلاق المصارف والبورصة ووقف التداول أكثر من شهرين مروراً بملفات رجال الأعمال المقربين من النظام وفتح ملفات التسوية بينهم وبين الجهاز المصرفي وغيرها من المتغيرات. القاهرة: يقول محسن خضيري الخبير المصرفي ل"إيلاف": لابد وأن نشير إلى أن الثورة قد أحدثت تغيير واسع في سياسات الإيداع والإقراض وكذلك الاستثمار حيث كانت تسير هذه السياسات وفق آلية غير ذات مبدأ ربحي فقط ولكن كانت هناك أدوار خفية تقوم بها الأجهزة المصرفية في خدمة بعض رجال الأعمال المقربين من النظام القديم والأمثلة لا تعد ولا تحصى وخصوصاً في آخر عشر سنوات في عمر مصر وأضاف خضيري أن المرحلة الراهنة تحتاج لإعادة النظر في تشكيلة الخدمات المصرفية لما لها من دور هام في قيادة حركات التنمية وأشار إلى أن الإدراك الكامل بحقيقة الجهاز المصرفي يؤدي دوره في هذه التنمية المنتظرة من خلال توجيه الاستثمارات والقروض.
ويرى الخبير المصرفي أن طبيعة التنمية الثورية تحتم مراعاة التأثيرات التي أحدثتها سواء كانت هذه التغيرات في القطاع العام الذي من المفترض دعمه بشكل كبير في الفترة المقبلة من قبل الجهاز المصرفي أو الخاص الوطني الذي سوف يتولى عملية التنمية بشكل أو بآخر وسوف يتم دعمه بشكل كبير أيضا والقطاع التعاوني خاصة أن هناك مشروعات تنمية سيتم استيعابها تقدر ب6532 نشاط اقتصادي مستقل يحتاج كل منها إلى عدة مشاريع وهذه المشاريع من شأنها استغلال القوى العاطلة في مصر سواء كانت أفراد أم أموال بنكية أو إدارة أو تكنولوجيا وتتميز هذه الأنشطة أنها ذات أسواق داخليا وخارجيا وبها سوف تحقق البنوك نقلة نوعية لها وللاقتصاد المصري ككل من خلال تحقيق تنافسية حقيقية، وفي الأخير قال خضيري أنه من المبكر الآن حساب تأثير الثورة على الجهاز المصرفي لأن ذلك يحتاج لفرصة ووقت كبير حتى نرى مدى الفرق بين قبل الثورة وبعدها.
في حين توقع عمرو طنطاوي- مدير عام الفروع ببنك مصر إيران- تراجع أرباح البنوك العاملة بالسوق المصرية، خلال عام 2011 الحالي وقال طنطاوي إن أولى التأثيرات التي عرقلت تحقيق الأرباح هي وقف العمل بالبنوك بعد ثورة 25 يناير الماضي لفترة مما أثر على أرباح القطاع المصرفي وليس ذلك هو كل شيء ولكن عندما عادت البنوك لمزاولة نشاطها مجددًا صدمتها حالة ركود شديد بالسوق، وتباطؤ أداء جميع الأنشطة الاقتصادية.
وعن مقارنة نتائج أعمال البنوك خلال عام 2011، قال طنطاوي أنه لا يمكن مقارنتها بنتائج عام 2010، موضحًا أن البنوك تعتبر شريان النشاط الاقتصاد وتتأثر بتأثره، كما أن توقف النشاط بمعظم البنوك وتراجع حركة الإنتاج منعها من السعي للحصول على قروض جديدة أيضًا كما أوضح أن البنوك تعاني حاليًا نوعًا من النقص بالسيولة، مما اضطر بعضها إلى رفع سعر الفائدة لجذب موارد جديدة.
أما أستاذ التمويل والاقتصاد بالجامعة الأمريكيةبالقاهرة الدكتور سمير مرقص فقال ل"إيلاف" أن دور المصارف تتمثل في حفظ الودائع وتسهيل التعاملات البنكية ومنح القروض والاستثمارات ويحقق البنك ربحيته من خلال هذه التعاملات وقد صاحب الثورة المصرية اضرابات في جميع العمليات الاقتصادية وقد انعكس ذلك بوضوح على الجهاز المصرفي المصري حيث تأثرت سلبا بالأحداث فإذا كان مصدر تمويل البنوك هي الودائع فمن الطبيعي والبديهي أن ندرك تأثر هذا المصدر الأساسي للتمويل بالأحداث الأمر الذي قلل مواردها ،كما أن الثورة أدت إلى هبوط النشاط الاقتصادي مما جعل المقترضين يحجمون عن الاقتراض تخوفا من المستقبل المجهول فنقص في الودائع مصاحب لنقص في القروض يؤثر على ربحية البنوك في ظل القواعد والمعايير العالمية التي تتحكم في الأداء المصرفي مثل بازل 1 و2 و3.، والذي يعتبر تطبيقها هو مقياس نجاح البنوك و نجد أن بعض البنوك تجبر على تخفيض الفائدة إلى ما يقارب سعر الودائع وهذا في حد ذاته قد يؤدي إلى خسائر كبيرة.
ويضيف مرقص أن هناك قاعدة بينية تقول أن البنوك تنمو وتزدهر في حالة الاستقرار و تتعرض للازمات في حالة الاضرابات و الثورات فماذا تفعل البنوك المصرية لتتفادى هذه الفترة؟ البنوك يجب أن تعيد النظر في اختيار عملاءها فلابد من التعامل في الفترة الحالية مع الملاذ الآمن و لنا مثل في مشكلات عقود التسوية التي أبرمها الجهاز المصرفي المصري مع مستثمرين متعثرين في سنوات العقد الأول من القرن الماضي ، فالمظلة السياسية التي كانت تحمي بعض المستثمرين المرتبطين بالنظام السابق من التحرك القضائي ضدهم اختفت، وهو ما شجع البنوك للتحرك نحو إعادة صياغة عقود التسوية مع المستثمرين لضمان حقوقها.
ويري مرقص أنه يجب توجيه الإقراض إلى المشروعات الصغيرة والمتوسطة أكثر من غيرها لأن أصحاب هذا النوع من الاستثمار أكثر إيفاء بالالتزامات من النماذج السابقة ولما لها من دفع لقاطرة النمو الاقتصادي الذي ينعكس بدوره على جهاز المصرفي.
وأضاف الخبير الاقتصادي إن أكبر الخسائر التي تعرضت لها البنوك هو سقوط عدد كبير من رجال الأعمال المقربين من النظام السابق وبداية حالة من الشد والجذب في تسوية مديونيات عدد كبير من المتعثرين.
و هناك أطروحات لإدخال تعديل على أسلوب تنفيذ تسوية مديونيات لبعض المتعثرين، منها سداد جزء من الأقساط المتبقية من التسوية بشكل عيني، بدلا من السداد النقدي، لكن ذلك الطرح يصطدم بصعوبة تسويق تلك الأصول العينية في ظل حالة الركود الحالي للاقتصاد المصري، مما يجعل البنوك تتحمل عبء تسويق تلك الأصول ووضع مخصص لها، وفقا لقواعد البنك المركزي.
ويفرض البنك المركزي على البنوك التخلص من الأصول العينية التي حصلت عليها نتيجة تسويات مع عملائها المتعثرين خلال 5 سنوات من تاريخ حصولها على الأصل، وفي حال فشل البنك في ذلك يطلب تحديد المهلة من البنك المركزي بشكل سنوي لكل أصل على حدة ولدى البنوك العامة مخزون كبير من الأصول العينية التي حصلت عليها عبر تسويات نتيجة توسعها في تسعينات القرن الماضي في منح قروض دون المستوى، وهو ما تسبب في تعثر العملاء في سدادها.
وأبرز البنوك التي تمتلك محافظ أصول عينية من تسويات حاليا هي: البنك الأهلي وبنك مصر والمصرف المتحد والبنك العقاري المصري العربي وبنك قناة السويس وبنك التنمية الصناعية وبنك العمال المصري.