قال خبراء اقتصاديون أن القرار الذي رفضت مصر بموجبه مؤخراً الحصول على قروض من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي قد ينقذ الحكومة من جدل سياسي غير مرحّب به داخلياً، لكنه يهدد بتقويض اقتصاد البلاد الذي يشهد توتراً شديداً بالفعل. القاهرة: لا تزال تهيمن حالة من الضبابية والغموض على شروط التمويل الخاصة بصندوق النقد الدولي وكذلك خطة الحكومة المصرية لاستبدالها بخفض الإنفاق والإقراض الداخلي. لكن اقتصاديين أوضحوا أنه بدون مساعدة صندوق النقد الدولي، سوف تُثقَل مصر بالتأكيد بارتفاع تكاليف الديون والتضخم. كما ستواجه الأعمال الخاصة الآن أوقاتاً صعبة من أجل تجميع رؤوس الأموال اللازمة لاحتياجاتها الاستثمارية.
وبعد أقل من ثلاثة أسابيع على قبولها عرضاً مقدماً من صندوق النقد للحصول على قرض قيمته 3 مليار دولار، ومناقشتها أيضاً احتمالية الحصول على قرض آخر بقيمة 2.2 مليار دولار مع البنك الدولي، أعلن وزير المالية المصري، سمير رضوان، أن الحكومة غيرت فكرها، وأنها ستخفض بدلاً من ذلك عجز ميزانيتها للعام المقبل وستزيد الاقتراض في السوق المحلية. وأضاف " لسنا بحاجة لتلك الخطوة الآن".
وبعدما أثير عن احتمالية تقدم البنك الدولي وصندوق النقد بمساعدات، بدأ يتخوف كثير من المصريين من أن تلك المساعدات قد تأتي مصحوبة بمجموعة من القيود. وفي هذا السياق، أوردت اليوم شبكة "ذا ميديا لاين" الإخبارية الأميركية المعنية بشؤون الشرق الأوسط، عن ماجدة قنديل، المدير التنفيذي للمركز المصري للدراسات الاقتصادية، قولها :" هناك قدراً كبيراً من الإثارة، وقد حاولوا أن يردوا على تلك المخاوف، بقولهم إنها بادرة حسن نية بلا أي التزامات تجاه أي شيء يثير المشاكل".
ثم تابعت قنديل بتأكيدها أن المشكلة تكمن في أن الاقتراض في السوق المحلية يعني أن الشركات المصرية سيتعين عليها أن تتنافس بصورة أكثر جدية كي تحصل على رأس المال الاستثماري التي تحتاجه لتوسيع الإنتاج وتوظيف مزيد من الأشخاص. وقالت إن ذلك يهدد أيضاً بزيادة الضغوطات التضخمية، ومن ثم وضع عبء على كاهل الفقراء المطحونين في مصر. ولفتت قنديل في السياق ذاته كذلك إلى أن الخفض الخاص بالإنفاق الحكومي قد يزيد من تقويض الوضع الاقتصادي للبلاد.
كما مضت الشبكة تنوه إلى استمرار أجواء الإضرابات والاضطرابات والاعتقالات التي تطارد رجال الأعمال المتهمين في قضايا فساد، وهي الأجواء التي تؤثر بالسلب على قطاع السياحة وتطلعات المستثمرين، على الرغم من انتهاء موجة التظاهرات الشعبية التي نجحت في الإطاحة بنظام الرئيس مبارك مطلع العام الجاري.
وأشارت الشبكة كذلك إلى أن حالة التباطؤ التي تعيشها البلاد حالياً تهدد بتفاقم الفقر والبطالة، وهي ما لعب دوراً بعد ذلك في تقويض الاستقرار السياسي. كما اُضطرت الحكومة المصرية، نتيجة الارتفاع الحاصل في الأسعار العالمية للمواد الغذائية والطاقة، لإنفاق المزيد على الإعانات، وتحويل الموارد بعيداً عن الاستثمار الإنتاجي.
وسبق أيضاً لوائل خليل، وهو ناشط اشتراكي ومدون، أن قال في عمود نُشِر له في صحيفة الغارديان البريطانية " أعتقد أن مستقبل هذا البلد لا يقع على عاتق نفس الأشخاص البيروقراطيين غير المنتخبين وغير الخاضعين للمساءلة والذين يتقاضون أجوراً مرتفعة بصندوق النقد، ولا على عاتق مؤشراتهم المقدسة على وجود عجز في الميزانية واقتصاديات السوق. بل أرى أن مستقبلنا يقع على عاتق اقتصاديات داخلية جديدة يمكنها أن ترضي وتلبي رغبات أغلبية المواطنين المصريين".