تشهد مصر حمى متسارعة في استطلاعات الرأي لمعرفة توجهات المصريين بشأن المرشحين الأوفر حظا في الانتخابات الرئاسية المقبلة، ويبدي بعض المرشحين المحتملين غضبهم إزاء هذه الاستطلاعات فيما يعتبرها آخرون مقياسا لمدى إمكانية فوزهم.
رغم أن الإعلان عن فتح باب الترشيح للانتخابات الرئاسية في مصر لم يفتح بعد، ورغم ضبابية الرؤية فيما يخص قضية "الدستور أم الانتخابات أولاً؟"، إلا أن عدد المرشحين المحتملين في تزايد مستمر، وتشتعل حدة المنافسة بين المرشحين مع مرور الوقت، وشكلت الاستفتاءات على صفحات موقع الفيس بوك، وغيره من المواقع الإلكترونية وسيلة جديدة للترويج للمرشحين أو قياس الرأي العام نحو كل منهم، وكانت المفاجأة غير المتوقعة، انخراط المجلس العسكري الذي يدير البلاد في "الاستفتاءات"، حيث نظم استفتاء عبر صفحته على الفيس بوك، بدأ في 19 يونيو الجاري، ويستمر حتى 19 يوليو المقبل. فما دلالة تلك الاستفتاءات؟ وما يهدف المجلس العسكري من وراءها؟
ووصف خبراء وسياسيون أن تلك الاستفتاءات تهدف إلى جس نبض المصريين نحو هوية الرئيس القادم، وهل هناك توجهات نحو اختيار رئيس ذي خلفيات إسلامية، أم سياسي ممن ينتمون للنظام السابق، أو هناك مفاجآت غير متوقعة.
مفاجآت للمرشحين والمراقبين جاءت نتائج استفتاء المجلس العسكري على غير المتوقع حتى الآن وحمل الكثير من المفاجآت للمرشحين أنفسهم والمراقبين للشأن المصري، حيث يتقدم فيها الدكتور محمد البرادعي المدير السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية على جميع منافسيه، ب38% من عدد الأصوات البالغة حتى الآن ما يزيد على 100ألف صوت، وتمثلت المفاجأة الثانية في تقدم الدكتور محمد سليم العوا على باقي المنافسين، رغم أنه الأحدث في الإعلان عن الترشيح، حيث حصل على 19% من الأصوات، وكانت المفاجأة الثالثة حصول الفريق أحمد شفيق رئيس الوزراء السابق على 12%، و صعود المرشح السفلي حازم صلاح أبو إسماعيل للمركز الرابع بحصوله على 9% من الأصوات، وكانت المفاجأة الأخرى، تراجع عمرو موسى الأمين العام السابق للجامعة العربية، الذي يحظى بدعم خارجي وبشعبية واسعة في بعض الأوساط،وكان نصيبه من الأصوات 7% فقط، فضلاً على صعود الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح القيادي ألإخواني السابق، فقد حصل على 5%، وهي النسبة نفسها التي حصل عليها المستشار هشام البسطويسي.
"كلنا خالد سعيد" و المجلس العسكري وجاءت نتائج استفتاء أجرته صفحة "كلنا خالد سعيد" على الفيس بوك متطابقة إلى حد بعيد من نتائج استفتاء المجلس العسكري، من حيث ترتيب الأسماء، وقدر عدد المشاركين فيه بنحو 83 ألف شخص، والاختلاف تمثل في صعود حازم صلاح أبو إسماعيل على حساب الفريق أحمد شفيق، وحصوله على المركز الثالث.
البرادعي متربعاً دائماً فيما جاءت نتائج استفتاء جامعة المنصورة مغايراً للاستفتاءين السابقين، وإن ظل البرادعي متربعاً على القمة، بنسبة قدرها 43.8% من إجمالي الأصوات البالغة 595 صوتاً، ولكن احتل الصحافي والبرلماني السابق حمدين صباحي المركز الثاني بفارق كبير ، وحصل على نسبة 16.3%، وجاء عمرو موسى في المركز الثالث ب15.4%، و المستشار هشام البسطويسي في المركز الرابع ب7.7%، والفريق أحمد شفيق في المركز الخامس ب6.4%. ورغم أن المنصورة معقل الدكتور أيمن نور الوصيف الرئاسي في انتخابات 2005، إلا أنه حصل على المركز السابع ب1.8%، وسبقه الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح في المركز السادس ب4.4%، وحصلت الإعلامية بثينة كامل على 3.% من الأصوات.
مفاجآت قادمة من أمريكا كانت تلك أهم الاستفتاءات التي أجريت مؤخراً، علماً أنه أجريت العديد منها من خلال مؤسسات إعلامية أو مواقع إلكترونية، غير أن الاستفتاء أو الاستطلاع الذي كان لافتاً ذلك الذي أجراه معهد السلام الدولي الأمريكي، حيث حصل عمرو موسى الأمين العام لجامعة الدول العربية على المركز الأول ب 32% من أصوات المشاركين، وفاز عصام شرف رئيس الوزراء بالمركز الثاني ب12%، وحل المشير محمد حسين طنطاوي رئيس المجلس العسكري بالمركز الثالث ب 8%، وكانت المفاجأة بحصول الدكتور محمد البرادعي على المركز الأخير ب2%.
لا تدل على قوة المرشح هذه النتائج ليست لها أية دلالة على قوة أو شعبية المرشحين، لاسيما أن 43% من الشعب المصري تعاني من الأمية، ومستخدمي الفيس بوك أو الإنترنت يقدرون بأقل من 6% من الشعب، حسب كلام الدكتور أيمن نور المرشح المحتمل للانتخابات الرئاسية، ويضيف أن من يحسم الانتخابات أو الشعبية هم هؤلاء الذين لا يمتلكون التكنولوجيا، مشيراً إلى أنه من المبكر جداً الحديث عن قياسات الرأي العام بشأن المرشحين، لاسيما أن الجميع لم يحصل على الفرصة كاملة من أجل عرض برنامجه، كما أن تلك الاستطلاعات تتأثر بالميديا ومدي ظهور المرشح فيها.
غير علمية الكلام نفسه ذهب إليه المستشار هشام البسطويسي، وقال إن استطلاعات الرأي التي تجري على الفيس بوك، ليست مبنية على أسس علمية، وقد تسمح بالتجييش لصالح مرشح معين، ولا يمكن التحكم فيها، مشيراً إلى أنه من الممكن التصويت أكثر من مرة من أجهزة كمبيوتر مختلفة أو إنشاء حسابات جديدة على الفيس بوك والتصويت من خلالها أكثر من مرة. لكنها أعتبرها بمثابة ظاهرة إيجابية نحو تثقيف المصريين سياسياً.
تجربة رائعة إنها تجربة رائعة حرم منها المصريون لنحو 62عاماً منذ ثورة 23 يوليو 1952، التي قفز خلالها العسكر على السلطة، من الجيد أن يمارس المصريون التصويت بأية طريقة وبحرية كبيرة، إنها وجهة نظر أبو العز الحريري السياسي اليساري البارز، ويضيف أنه بغض النظر عن النتائج فإن التصويت له نتائج إيجابية على طرفي المعادلة الانتخابية، وهما المرشح والناخب، حيث تحفز الأول على تقديم أفضل ما لديه من برامج وتصويب أخطائه والتقرب للشعب، وتحفز الأخير على اكتساب المزيد من الحرية وممارسة حقه في الانتخاب وفرز الجيد من الرديء. لكن الحريري يتفق مع سابقيه أنها ليست لها دلالة على تفوق مرشح على آخر، لاسيما إذا كانت مقتصرة على فئة مستخدمي الإنترنت فقط، ولم تتسع دائرتها إلى الصعيد والريف والعشوائيات.
فرصة للعسكر للتعبير عن الرأي وبحسب الحريري فإن المجلس العسكري لجأ لتك الطريقة رغبة منه في إشراك ضباطه وجنوده في التجربة الديمقراطية بشكل غير مباشر، حيث بإمكان أي منهم الدخول للفيس بوك والتصويت بدون التعرف على هويته العسكرية، وقال: حسنا فعل ذلك، لأن أعضاء المؤسسة العسكرية ليسوا كتلة مصمتة، بل هم مواطنون مصريون، لا يمكن خصمهم من الحياة السياسية.
محاولة لاحتواء المفاجآت إلا أن الدكتور جهاد عودة الأستاذ بجامعة حلوان يرى أن هدف المجلس العسكري من إجراء الاستفتاء معرفة اتجاهات الرأي العام بين الشباب من مستخدمي الفيس بوك وشبكة الإنترنت عموماً باعتبارهم المحرك الأساسي لثورة 25 يناير، وبالتالي فهم المحرك لباقي فئات المجتمع. و يشير عودة إلى أن الثقافة العسكرية مبنية على مبدأ وحدة الصف، وبالتالي فهو يريد معرفة أين يتجه الرأي العام المصري، وهل هناك مرشح محتمل قادر على حسم المعركة بدون إحداث فرقة في صفوف المصريين، لافتاً المجلس العسكري رغب في أن يدير البلاد رئيس يحظى بأغلبية أصوات الشعب، فضلاً على أنه يرغب في معرفة هوية الرئيس المقبل من بين المرشحين، لاسيما في ظل تعدد الهويات ما بين المحسوب على النظام السابق، والمحسوب على المؤسسة العسكرية نفسها، والمحسوب على التيار السلفي، والمحسوب على التيار الليبرالي، والمحسوب على جماعة الإخوان. إنه يرغب في عدم حدوث مفاجآت غير متوقعة في المرحلة المقبلة.
ولم ينكر عودة أن تلك الاستطلاعات مبنية على غير أسس علمية، ولا تعبر عن اتجاهات الرأي العام بدقة، لكنها تمنح مؤشرات لا يمكن إغفالها.