تستعد الدول النامية في آسيا وافريقيا لعقد مؤتمر باندونج الثاني في نفس المدينة التي عقد فيها مؤتمر باندونج الأول منذ خمسين عاما (20 ابريل 1955). جاءت فكرة باندونج الثاني منذ عامين كاقتراح تقدمت به الرئيسة الاندونيسية في ذلك الوقت ميجاواتي سوكارنو ابنة احد زعماء باندونج الأولي وابن الاستقلال في اندونيسيا احمد سوكارنو وعقدت اجتماعا تمهيديا لهذا الغرض قبل ان تطيح بها انتخابات الرئاسة الاخيرة والتي جاءت بالرئيس الجديد يورهينو الذي أعلن تحمسه للفكرة بانعقاد باندونج الثاني في نفس الموعد وبنفس الخطط والبرامج التي وضعت من قبل. وفيما اختتمت الرئيسة الاندونيسية السابقة ميجاواتي اعمال المؤتمر التحضيري في قصر الحرية في باندونج اشارت الي ان القضية لا تتعلق فقط باحياء ذكري باندونج والقادة الذين صنعوه بل يفرضها الواقع العالمي الجديد حيث يملك 20% من البشر في الشمال 80% من الثروة كما ان دول آسيا وافريقيا تواجه مشكلات الديون والفقر والامن الغذائي وتدهور البيئة وعدم القدرة علي المنافسة في السوق العالمية. كما اشارت ميجاواتي الي مثالب العولمة بتطبيقاتها الحالية وانتقدت ما اطلقت عليه طقوس عبادة السوق وآلياته الخاصة بفتح الاسواق دون قيود والمنافسة الشرسة دون حدود الأمر الذي يدشن المبدأ القائل بان البقاء والسيطرة للاقوي؛ ولذلك فان دول آسيا وافريقيا مطالبة باحياء مفاهيم باندونج واعادة تصحيح تطبيقات العولمة الجائرة. وبعد مداولات ومناقشات تواصلت لعدة ايام قررت اللجنة التحضيرية ان يعقد باندونج الثاني في ذات التاريخ الذي عقد فيه باندونج الاول منذ خمسين عاما لكن الأمر يختلف هذه المرة اذ لن يقدم المؤتمر الجديد علي اساس تمثيل الدول ولكن علي اساس تمثيل التنظيمات الاقتصادية الاقليمية في آسيا وافريقيا اضافة الي عدد محدود من ممثلي الدول التي حضرت وساهمت في اعمال المؤتمر الأول (28 دولة). واطلق علي الاجتماع التحضيري اجتماع المنظمات الاقليمية في آسيا وافريقيا (AASROC) وهي حوالي 14 تنظيما اقليميا مثل آسيان، وسارك، والاتحاد الافريقي، واتحاد المغرب العربي ومجلس التعاون الخليجي والايجاد والنيباد ومجموعة ال77 وعدم الانحياز والهدف هو ان يركز المؤتمر علي القضايا الاقتصادية ومناقشة التحديات التي تواجهها الدول الآسيوية والافريقية وان تتحول باندونج الي حلقة وصل وتكامل بين التنظيمات الاقليمية الافريقية والآسيوية. واسفر المؤتمر التحضيري عن المبادرة بطرح مفهوم المشاركة الاستراتيجية الجديدة بين آسيا وافريقيا ودعم السلام والرخاء والتقدم بين القارتين وحدد المؤتمر التحضيري عناصر المشاركة الاستراتيجية التي تضمن تنمية الموارد البشرية واصلاح المؤسسات المتعددة الاطراف وتقوية النظم التجارية المبنية وتطوير التعاون الآسيوي الافريقي في مجالات الصناعة والزراعة والتجارة وتطوير البنية التحتية كذلك فتح الحوار حول قضايا الأمن الاقليمي والمجتمع المدني والنظام الديمقراطي الجيد لدعم أسس الدولة الحديثة. ومنذ ذلك البيان الذي صدر عن المؤتمر التحضيري عقدت عدة اجتماعات تمهيدية اخري نظمتها مجموعة العمل المؤلفة من اندونيسيا وجنوب افريقيا وفي اغسطس 2004 عقد الاجتماع التمهيدي الموسع لباندونج الثاني في ديربان المقرر بشكل نهائي عقد المؤتمر الثاني في 20 ابريل 2005 علي اساس ان يكون الانعقاد علي ثلاثة مستويات وهي المنتدي الحكومي حيث يعقد مؤتمر قمة آسيوي افريقي كل اربع سنوات ومنتدي المنظمات الاقليمية التي تلتقي سنويا لمناقشة اوجه التعاون تحت اشراف الاتحاد الافريقي ومنظمة الآسيان اما المستوي الثالث فهو منتدي المجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية. ومن الواضح والأمر كذلك ان الدول الآسيوية والافريقية قررت احياء باندونج علي اسس جديدة تتفق مع مقتضيات العصر ويتمثل ذلك في اعطاء التعاون بعدا جماهيريا وغير حكومي اضافة الي البعد الحكومي والرسمي بل والتركيز بشكل اكبر علي الابعاد غير الحكومية ومؤسسات المجتمع المدني ومن ناحية اخري فمن الواضح ان الهم الأول والاساسي لباندونج الثاني هي القضايا الاقتصادية ومشكلات التنمية والتعاون بين دول المجموعة بعيدا عن الغرق في الشعارات السياسية اي انه في باندونج الثاني تأتي السياسة بعد الاقتصاد وليس العكس مثلما كان في الماضي ويعتبر بعض المراقبين ذلك بانه تغير اساسي في المنهج بشكل ايجابي وبناء المجتمع الديمقراطي والدولة الحديثة القادرة علي النمو والتقدم هي تأكيد فعلي لقضية الاستقلال ووضع الحصان امام العربة.