لاشك أن صناعة الطائرات تأتي في مقدمة الصناعات التي حققت استفادة كبيرة من أبحاث علوم تكنولوجيا الفضاء والأقمار الصناعية ومارست تطبيقاتها العلمية بفاعلية متجددة حتي انها استحدثت مواد جديدة في بناء أجسام الطائرات أخف وزناً وأكبر احتمالاً من المواد التقليدية المستخدمة حالياً، كما ساهمت هذه الأبحاث في تصنيع محركات أقل استهلاكاً للوقود وأفضل حالاً لمتطلبات البيئة. وقد أدي ذلك إلي اشتعال المنافسة بين قطبي الصناعة الإيرباص الأوروبية والبوينج الأمريكية وأصبحت المنافسة بينهما ترتكز علي مدي استفادة كل منهما من التطبيقات العلمية لأحدث ما توصل إليه علماء الطيران والفضاء من تكنولوجيا وتقديم طائرات أكثر أماناً وأفضل اقتصاداً. ورغم أن شركة بوينج عريقة في القدم والتاريخ، إلا أن شركة الإيرباص التي لم يتجاوز عمرها نصف قرن قد استطاعت أن تنافسها وتتفوق عليها أحياناً رغم حداثتها النسبية. ففي العام الماضي 2004 كان نشاط الشركتين المقارن (مجلة Flight International) علي النحو الآتي: باعت شركة الإيرباص (320 طائرة) من ثمانية طرازات، بلغت قيمتها (1.26 مليار دولار). وباعت شركة البوينج (285 طائرة) من ستة طرازات بلغت قيمتها (7.22 مليار دولار)، وقد كان أكثر الطرازات مبيعاً هو طراز البوينج 737 حيث بلغ اجمالي الطائرات المبيعة 202 طائرة تلتها الإيرباص طراز 320 بعدد 101 طائرة. ولما كانت هذه الصناعة تتطور فنياً أسرع من أية صناعة أخري فقد كان لزاماً علي الشركتين أن تستحدثا طرازات جديدة علي فترات متقاربة تستعرض فيها كل شركة احدث ما وصلت إليه من أساليب فنية واقتصادية، ودأبت كل منهما علي إنتاج طراز مشابه لما تقدمه الشركة الأخري من حيث الحمولة والسعة والمدي واقتصاديات التشغيل مثل البوينج 737/400 والإيرباص 320/200 وغيرها وذلك حتي لا تنفرد أي منها بمنتج يحتكر الأسواق. ولقد اختلفت مؤخراً استراتيجية الشركتين في نوعية المنتج حيث اختارت الإيرباص بناء الطائرة العملاقة AB380 ذات الطابقين لمنافسة الطائرة الأسطورة البوينج 747 (الجامبو) ذات الطابق ونصف وبحمولة قدرها 550 راكباً ومن المقرر أن يبدأ تشغيلها العام القادم بينما تقدمت بوينج بطائرة غير تقليدية مصنعة من مادة الكاربون فايبر (Carbonfibre) ومتوسط الحمولة (280-300 راكب) هي البوينج B7E7 أو B787 وأطلقت عليها طائرة الأحلام (Dream Liner) وتدخل الخدمة عام 700#. وفي تقديري أن فلسفة الإيرباص في بناء الطائرة AB380 العملاقة تستند إلي عدة عوامل أهمها: 1 الزيادة المطردة العالمية في حركة السفر والشحن الجوي. 2 التغلب علي صعوبات الحصول علي Slots بالمطارات كثيفة الحركة حيث إنه باستخدام هذه الطائرات يقل معه عدد الرحلات وتتوافر في Slots بالتالي. 3 مواجهة تكدس الممرات الجوية التي تكتظ بأعداد هائلة من الرحلات الجوية خاصة فوق القارة الأوروبية وتخفيف العبء علي المراقبة الجوية Eurocontrol والدول الأخري حيث إن الخدمات والجهد في التعامل مع أي طراز كبير أو صغير يكاد يكون متساوياً. 4 تخفيض نفقات التشغيل فيتم نقل حمولة طائرتين متوسطتي الحجم بطائرة واحدة وبتكلفة أقل. 5 تقديم خدمات ترفيهية مستحدثة مع توافر مساحات كبيرة علي الطائرة. 6 لم يسبق للإيرباص إنتاج طائرات كبيرة علي غرار البوينج 747. ومن ناحية أخري فإن تسويق هذه الطائرات العملاقة سيقتصر فقط علي شركات الطيران الكبيرة ذات القدرة التمويلية العالية بالإضافة إلي توافر حركة سفر كثيفة لديها لملء مقاعدها حتي يصبح تشغيلها اقتصادياً كما أنها تحتاج إلي خدمات أرضية خاصة غير متوافرة في كل المطارات. أما عن فلسفة شركة بوينج في بناء الطائرة B7E7 فهي تستند إلي استحداث تكنولوجيا جديدة بغرض تصنيع طائرة أخف وزناً بنسبة تتراوح بين 15% و20% من الطائرات التقليدية المصنوعة من الألومنيوم ولا تتعرض لمشكلات الصيانة الحالية Vietal Fatigue أو الصدأ Corrosion وهي مشكلات تمثل عبئاً كبيراً علي الصيانة أي أن اقتصاديات التشغيل كانت نقطة الارتكاز في هذه الفلسفة علي النحو الآتي: 1 توفير طائرة متوسطة الحجم يسهل تسويقها وتمويلها لدي قاعدة عريضة من شركات الطيران. 2 عدم الاحتياج إلي تجهيزات خاصة من الخدمات الأرضية بالمطارات المختلفة. 3 ضغط مصروفات التشغيل بتخفيض مصروفات الصيانة بنسبة ملموسة بسبب عدم تعرض المادة الجديدة للصدأ أو Metal Fatinge. 4 استخدام Super Computers لتشغيل الطائرة يتيح لها تسهيلات فنية واقتصادية عالية غير متوافرة بالطرازات الحالية. 5 استخدام مادة Carbonfibre الأخف وزناً في تصنيع الطائرة يوفر من 15% إلي 20% من وزنها لحساب زيادة الحمولة التجارية وتحقيق إيرادات أعلي بالإضافة إلي استهلاك وقود أقل. 6 التميز عن المنافس بمنتج غير متاح لديه. ولم تقف الإيرباص مكتوفة الأيدي فأعلنت أنها بصدد إنشاء طراز جديد مماثل للطائرة AB350 من حيث التكنولوجيا والسعة يبدأ تشغيلها عام 2008. أما عن معدلات استهلاك الوقود الذي يمثل حوالي 25% من مصروفات التشغيل فان الشركتين بالاشتراك مع شركات إنتاج المحركات تضع هذا البند في قمة أولوياتها وتتسابق في تحقيق أقل معدلات الاستهلاك بالإضافة إلي المواءمة مع متطلبات البيئة كلما أمكن ذلك. وهكذا يحتدم الصراع الفني والاقتصادي بين القطبين الكبيرين بهدف تطوير صناعة النقل الجوي والوصول بها إلي المزيد من الأمان بأقل التكاليف. * رئيس مجلس إدارة شركة خبراء الإدارة والطيران