أخيراً أصدرت وزارة الخارجية الأمريكية تقريرها عن سياسة العداء للسامية في العالم. وهذا التقرير الذي ينشر ولأول مرة سيصبح بعد ذلك تقريراً سنوياً مثله مثل تقارير حقوق الإنسان وحالة الاضطهاد الديني، ووضع الأقليات التي تصدر سنوياً حاملة وجهة النظر الأمريكية في تلك القضايا. وتقرير العداء للسامية صدر بناء علي قرار سابق من الكونجرس الأمريكي في الصيف الماضي الذي لاحظ ازدياد موجة ما أسماه بالعداء للسامية واليهود والدولة اليهودية عالمياً وبشكل خاص في أوروبا والشرق الأوسط، كما أن برنامج المرشحين الأساسيين في انتخابات الرئاسة الأمريكية الأخيرة الرئيس الجمهوري جورج بوش والمرشح الديموقراطي جون كيري تضمن تعهداً بمتابعة وملاحقة سياسة العداء للسامية وحماية الدولة اليهودية. والتقرير الذي أصدرته الخارجية الأمريكية يكرر ويؤكد ما ذهب إليه الكونجرس من ازدياد وتيرة العداء للسامية والدولة اليهودية في أوروبا والشرق الأوسط ويعدد أمثلة كثيرة لذلك، كما يقدم تفسيراً وتحليلاً لما أطلق عليه بالظاهرة الجديدة في أوروبا حيث تتواجد جاليات إسلامية وعربية كبيرة خاصة في ألمانيا وفرنسا وإنجلترا وهولندا وبلجيكا وإيطاليا، ويصف هذه الجاليات الإسلامية والعربية بأن معظمها غير متعلم وبعضها متعصب. أما بالنسبة للشرق الأوسط وبشكل أخص الدول العربية فينحي التقرير باللائمة علي الإعلام والصحف والفضائيات العربية التي تمتلئ علي حد تعبير التقرير بكم هائل من العداء للدولة اليهودية وإشاعة الكراهية ضد اليهود وذلك من خلال التقارير والتحليلات اليومية التي تقدمها تلك الأجهزة الإعلامية العربية من صور القتل والدمار والتشريد الذي يتعرض له الفلسطينيون!! وتقرير الخارجية الأمريكية لا يضيف جديداً إلي ما تردد قبل ذلك في مؤتمرات أوروبية عقدت في العام الماضي لعل من أهمها مؤتمر برلين الذي حرص المستشار الألماني جيرهارد شرويدر علي حضوره، كذلك مؤتمر أمستردام الأخير الذي دعا إلي سياسة وثقافة التسامح وإدانة حملات الكراهية الموجهة ضد اليهود أو العرب، كما دعا إلي العمل الجاد من أجل الوصول إلي حل سلمي عادل للنزاع العربي الإسرائيلي وفق القرارات الدولية المعتمدة في هذا الشأن. وهنا أوجه الاختلاف والافتراق بين تقرير الخارجية الأمريكية وبين المؤتمرات الأوروبية التي عقدت تحت نفس الشعار "معاداة السامية" فالتقرير الأمريكي يعتبر تقريراً من طريق واحد منحاز، فهو بداية يربط العداء للسامية بالدولة اليهودية، ويعتبر أن أي هجوم علي إسرائيل وسياستها هو هجوم وعداء للسامية..! كما أن تقرير الخارجية الأمريكية لم يحاول أن يقدم في تفسيراته وتبريراته أية إشارة إلي الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية ولبعض الأراضي العربية منذ أكثر من 35 عاماً، ولم يشر من قريب أو بعيد إلي الممارسات اللاإنسانية التي يقوم بها الجيش الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني الأعزل والمحتلة أراضيه، بل إن التقرير لم يشر من قريب أو بعيد إلي قضية الجدار العازل الذي تقيمه إسرائيل علي الأراضي الفلسطينية المحتلة، والذي صدرت ضده أحكام قاطعة من محكمة العدل الدولية في لاهاي وقرارات واضحة ومحددة في الجمعية العامة للأمم المتحدة. وليس المطلوب أو المفيد الدخول في جدل حول ماذا تعني السامية وماذا يعني العداء للسامية والغرق في تصنيف الأجناس والأعراق إلي السامية والحامية والآرية والقوقازية وغيرها من تلك التسميات العرقية التي ارتبطت إثارتها تاريخياً بأسوأ الفترات في تاريخ البشرية. ولابد لنا والأمر كذلك أن نعترف بأن الربط بين العداء للدولة واليهودية والعداء للسامية، رغم التجاوز في التعريفات والمصطلحات، قد سهل للكثيرين الاعتراف بأن ما جاء في التقرير صحيح تماماً فيما يتعلق بزيادة موجة العداء والكراهية للدولة اليهودية ولسياساتها في أوروبا والشرق الأوسط وإن كانوا ينكرون في نفس الوقت أن ذلك يعني عداءً لليهود أو للسامية بشكل عام. وفي أوروبا كشفت استطلاعات الرأي العام خاصة الاستطلاع الذي أجرته مفوضية دول الاتحاد الأوروبي في بروكسل في أوائل العام الماضي حول أكثر الدول خطراً علي السلام العالمي من وجهة نظر المواطن الأوروبي، وأجاب 70% منهم أنها إسرائيل ثم جاءت دول أخري في مراتب بعد ذلك وبنسب أقل منها أمريكا وإيران وكوريا الشمالية.