لاشك ان زلزال شرق آسيا الذي اجتاح عددا كبيرا من الدول هو الحدث الاسوأ في عام 2004 وربما يكون اكبر بداية سيئة لهذا القرن الذي بدأ منذ اربع سنوات.. لقد اطاح الزلزال بعشرات الآلاف حتي الان ولا يعرف احد مصير الملايين الذين شردتهم الطبيعة ولا آلاف القتلي الذين ينتظرون دورهم امام الامراض وفي المستنقعات وعلي الشواطئ وفي المدن الغارقة.. والشيء الغريب ان يجيء الزلزال في الايام الاخيرة من هذا العام الذي شهد عشرات الاحداث الدامية حروبا ودمارا وقتلا واحتلالا.. يأتي الزلزال بهذه الضراوة ليضع الانسان امام حقيقة مهمة وهي ان التقدم شيء عظيم وان البشرية قطعت مشوارا طويلا في عالم التكنولوجيا والاتصالات وقراءة الواقع ولكن بقيت اشياء كثيرة اكبر من عقل الانسان وطموحاته ودراساته واجهزته العلمية ان في شرق آسيا عشرات العقول الالكترونية وملايين الاجهزة التي تتابع حركة العالم وهناك ايضا علماء وباحثين ومراكز للزلازل والفيضانات وعلوم البحار والارض والتربة والتحولات والتغيرات الجيولوجية.. كل هذه الاجهزة عجزت ان تعرف شيئا عن هذا الزلزال.. وحتي لو اننا تصورنا ان هذه الدول قد وصلت الي ساعة الصفر بقيام هذا الزلزال.. ماذا يفعل الانسان امام هذه الكارثة.. ماذا يفعل امام سقوط العمارات واختلال موازين الارض والفيضانات التي وصلت الي عشرات الامتار واغرقت كل شيء.. فهل كان الانسان قادرا باجهزة التكنولوجيا ان يجعل الامواج اكثر رحمة وهي تغرق الشواطئ او يوقف ثورتها.. هل كان الانسان قادرا علي ان يضع نهاية لاهتزاز الارض حتي لا تسقط المباني وتنهار العمارات هل كانت التكنولوجيا المتقدمة قادرة علي انقاذ آلاف البشر الذين ماتوا تحت الانقاض وفي الفيضانات وامام اجتياح الامواج.. لم يستطع الانسان وهو في قمة تقدمه العلمي ان يكتشف لحظة واحدة من الزمن تغيرت فيها كل الاشياء واصبح الفارق كبيرا جدا بين ما كانت عليه الحياة.. وما خلفه الموت.. وربما كانت هذه رسالة سماوية الي انسان هذا العصر الذي تصور انه ملك كل شيء وادرك حقيقة كل شيء وفي لحظة صغيرة جدا من الزمن افاق من هذا الوهم الكبير عندما وجد امامه آلاف القتلي والرياح تحمل اشلاءهم وتلقي بها بعيدا والامواج تجتاح الابراج والعمارات والسدود.. هنا يكتشف الانسان حقيقة كبري.. انه لم يعرف كل شيء.. وانه مازال شيئا صغيرا جدا في ملكوت كبير.