دخل اعتكاف قداسة البابا شنودة في دير الأنبا بيشوي بوادي النطرون أسبوعه الثاني.. احتجاجاً علي ما أسماه بالمعاملة غير اللائقة في معالجة أزمة سيدة أبو المطامير بالبحيرة.. والتي نجهل حتي الآن جميع التفاصيل حول مشكلتها ولماذا هي ترغب في إشهار إسلامها؟ وما علاقتها بزوجها وبأسرتها؟ وهل حبها لزميلها في العمل هو الدافع؟ أم قناعتها الشخصية؟ وأياً كانت الأسباب فهي لم تكن تستدعي كل هذا اللغط وردود الفعل المتشنجة وهذا الصخب والضجيج والعنف الذي أثير حولها.. خاصة أنها سيدة في منتصف العقد الخامس من العمر.. ومتعلمة ومثقفة.. وليس من السهل خداعها والضحك عليها. وربما هناك تقاعس أو تأخير من بعض الأجهزة التنفيذية والأمنية في سرعة تطويق الأزمة التي نشبت.. والتي كان يتمني قداسة البابا شنودة حلها قبل أن يعود إلي القاهرة قادماً من سوريا للمشاركة في أحد المؤتمرات. لكن الأزمة طالت.. ويبدو أن هناك من نفخ إلي جانب النفوس المشحونة بالحساسية وبالغضب.. نتيجة الجهل أحياناً والجري وراء الشائعات في أحيان أخري.. ولهذا وجد البابا شنودة نفسه في مواجهة الأزمة. وخشية من أن يتورط قداسته وهو الرجل الحصيف في الإدلاء بتصريحات تزيد من الأزمة.. التزم قداسته الصمت.. وألغي لقاء الأربعاء الذي يواظب علي حضوره في الكاتدرائية المرقسية بالعباسية.. وفي اليوم التالي سافر إلي دير وادي النطرون للاعتكاف.. وقيل إنه ذهب غاضباً.. ربما مما حدث.. ربما لأنه استشعر حساسية موقفه.. ربما من تزايد ردود الفعل.. ربما من التأخير في علاج الموقف. وفي اليوم التالي علي الاعتكاف.. تم حل الأزمة وتطويقها بعد تدخل رئيس الجمهورية.. وقال سكرتير البابا.. الأنبا أرميا علي لسان البابا والكنيسة.. أنه يشكر الدولة والرئيس مبارك علي هذا التدخل وعلي علاج الموقف بحكمه وموضوعية. ولا أريد أن أتطرق إلي الحل.. ولا إلي النتائج التي سيسفر عنها، هل ستتمسك سيدة أبو المطامير بموقفها الرافض للعودة إلي زوجها وأسرتها.. أم ستتراجع عن هذا الموقف؟! ما يهم هو الاستفادة من دروس هذه الأزمة ومن السذاجة البحث عن حلول مريحة أو عن شماعات جاهزة.. مثل القول إن هناك أصابع خفية أو أياد أجنبية هي التي أشعلت الموقف وأن أقباط المهجر هم الذين حركوا المظاهرات داخل الكاتدرائية.. لأن الموقف أعقد من ذلك بكثير.. ففي داخل قلوب الإخوة الأقباط غصة لابد من ازالتها.. سواء كانت هذه الغصة لها ما يبررها.. أم لا.. ولهذا فالحوار والنقاش والمصارحة والمكاشفة هي أفضل السبل لازالة هذه الغصة وازالة الورم الخبيث واستئصاله من جذوره.. لقد كشفت هذه الأزمة الطارئة عن شيء غاية في الخطورة وهو أننا نتغني فقط بعظمة وحدتنا الوطنية وقوتها وتماسكها.. لكننا وعند أول محك تظهر الحدة والحساسية في التعامل مع أي موقف أو أزمة طارئة.. وتتباين وجهات النظر وتختلف الرؤي.. وكل وجهة نظر تبحث المسألة من زاوية رؤية ضيقة ولا تنظر إليها من زاوية رؤية أوسع وأعمق. إن الدولة بصفتها الراعية لكل مواطنيها من مسلمين وأقباط هي المسئولة عن إزالة مثل هذه الحساسيات بالحوار والنقاش.. ومسئولة عن تنقية التربة من السموم التي يبثها البعض سواء في الداخل أو في الخارج.. وفي سرعة الفصل في بعض القضايا التي يشتكي منها الإخوة الأقباط.. والتي يرون فيها انتقاصاً من قدرهم ومكانتهم حتي ولو كانت هناك مبالغة في ذلك. ثم تشارك قيادات الكنيسة وفي مقدمتها البابا شنودة.. في المسئولية عن علاج هذا الوضع المتأزم.. بفتح حوار صريح ومفتوح حول مشكلات الأقباط مع كنيستهم. إن إعلان استمرار اعتكاف البابا شنودة يزيد من غموض الموقف ولا يقدم الحل.. بل إن إنهاء هذا الاعتكاف والعودة فوراً إلي القاهرة هو الذي يساعد علي تنقية الأجواء والنفوس المشحونة بالغضب.. خاصة أن عمليات الشحن ومن خلال الصحافة تسير بخطي سريعة. إن إنهاء الاعتكاف يقطع الطريق أمام هؤلاء وهؤلاء.. وكذلك استخلاص الدروس والعبر مما حدث.. حتي لا يتكرر مرة ثانية.. وحتي نضع وحدتنا الوطنية علي أقدام ثابتة.. لا تحركها حالة فردية أو حالتان.. واحدة في أسيوط والأخري في البحيرة. هذه هي مسئولية قداسة البابا شنودة.. ولا أحد غيره بقادر علي تحملها.