قلنا إن حل مشكلة الفلسطينيين مع إسرائيل في المرحلة المقبلة مرهون أولا بصدق نوايا إسرائيل للقبول بحقوق الفلسطينيين في إقامة دولتهم وعاصمتها القدسالشرقية وتسوية المسائل العالقة عن طريق مفاوضات جادة بناءة، وعلي الجانب الفلسطيني من الضروري أن تكون السلطة الفلسطينية المفاوضة مسيطرة علي الأجنحة المسلحة التي تستطيع إفساد الأمور في أي وقت بزعم الحق في المقاومة حتي تتحقق النتائج المطلوبة. وقلنا أيضا إن الفصل بين المسارين السوري والفلسطيني في هذه المرحلة صعب للغاية ولا يجوز أن تظل إسرائيل تتنقل بين المسارين بهدف إضاعة الوقت وضرب الأطراف العربية ببعضها البعض، وإذا كانت هناك خصوصية لكل من المسارين إلا أن التوجه الاستراتيجي لإنهاء المشكلة يظل قاسما مشتركا بين المسارين. وواضح من التحركات السياسية خلال الفترة القصيرة الماضية أنها تشير إلي رغبة الأطراف في اقتناص فرصة لإنهاء الصراع وإحلال السلام، ولا يعود ذلك لأن بوادر انتصار طرف علي طرف قد لاحت في الأفق، ولكن لأن الأطراف كلها تعبت من الصراع بعد أن جربت دورة من الصراع العنيف استمرت زهاء الثلاث سنوات لم تسفر إلا عن المزيد من الضحايا والخسائر والماَسي للشعوب وضياع المزيد من الوقت. إسرائيل تعبت من الصراع، ولا يبدو أن في الأفق بوادر حل عسكري، فقد بذلت إسرائيل جهودا عنيفة وسلطت الأداة العسكرية علي الشعب الفلسطيني ولكن ذلك لم يؤد إلا إلي ظهور أجيال جديدة من المقاومين لم يعد يهمها أن تعيش في ظل الظروف الصعبة تحت الاحتلال ومع استمرار العنف الإسرائيلي تتزايد رغبة المقاومين في الموت في ساحة الصدام ضد قوات الاحتلال.. واَن الأوان أن تعيد القيادة الإسرائيلية حساباتها، وإذا كانت جادة فلا يوجد مبرر لإهدار الفرصة وعرض التسوية بشكل ملائم ومناسب، وهنا يأتي دور القيادة الفلسطينية في تجميع الصفوف استعدادا لحركة حاسمة تستعيد بها المبادرة لاستعادة الحقوق بدعم دولي واسع النطاق. أما بالنسبة للمسار السوري فمن الضروري أن يقتنع الإسرائيليون وحلفاؤهم من الأمريكيين بأن فصل المسار السوري لم يعد مجديا وأن الحل المقبل يجب أن يكون ضمن صفقة مشتركة تقبل بموجبها إسرائيل إعادة الأرض السورية دون شروط وتقبل سوريا وجود الدولة الإسرائيلية كما سبق وأن جرت مفاوضات بهذا الشأن قبل عدة سنوات. والمشكلة هنا في رأيي هي مبالغة كل الأطراف في المطالبة بثمن عادل للسلام والاستقرار في المنطقة، وفي اعتقادي أن السلام والاستقرار هما أفضل ثمن وأكثره عدلا وكفي ما ضاع من الوقت، وما سال من الدماء، وكما قلت مسبقا فإن المسألة مرتبطة بالنوايا، فلا تبالغ إسرائيل في مخاوفها من جيرانها في المستقبل وتبالغ في طلب ثمن الانسحاب الكامل من الأراضي السورية والفلسطينية، ولا يبالغ السوريون في طلب ثمن السلام بعد احتلال أراضي الجولان منذ عام 67 وحتي الاَن.