مؤتمر شرم الشيخ حول العراق والذي عقد في الأسبوع الماضي أثار ومازال يثير الكثير من التحليلات والتفسيرات المتضاربة.. البعض هاجمه حتي قبل أن ينعقد واعتبره تنفيذاً للمشيئة الأمريكية ومحاولة لتجميل الوجه الامبريالي الأمريكي في العراق. والبعض سانده وأيده واعتبره واحداً من أهم وأنجح المؤتمرات الدولية التي عقدت في السنوات الأخيرة، وأنه قدم برنامجاً متكاملاً من خلال البيان الذي أصدره للخروج من النفق المظلم الذي يعيشه العراق والعالم العربي كله. وآخرون وقفوا بين بين وراهنوا علي الله والشيطان معاً وأخذوا يحصون ما هو إيجابي وما هو سلبي مدعين الحكمة في تعادليتهم الممجوجة والتي تصل بنا دائماً إلي نقطة الصفر. وهل هناك من يزعم خاصة في العالم العربي أنه يستطيع أن يقول الحقيقة وسط الأهواء والعواصف والنيران المشتعلة والعربات المفخخة والحسابات والتحسبات السلطوية والشعبية والاستعمارية، التي تتداخل وتتشابك في العراق وفلسطين بل في كل أرجاء العالم العربي. من الممكن أن يقال وسط كل هذه الأجواء والعواصف وأيضاً العواطف المريضة والأحلام المجهضة إن مؤتمر مستقبل العراق في شرم الشيخ يعتبر أكثر الأحداث عقلانية من الناحية النسبية وسط ذلك الطوفان من الانفلات الذي يكاد يصل إلي درجة الجنون المطلق. لقد اجتمع العالم في شرم الشيخ، نعم العالم بكل قواه المؤثرة سياسياً واقتصادياً وعسكرياً بشرقه وغربه وشماله وجنوبه وهل يمكن أن يتجاهل إنسان علي هذه الأرض أو حتي يقلل أو يهمش الثمانية الكبار أو مجلس إدارة العالم الذي يضم أقوي الدول الاقتصادية والعسكرية في عالم اليوم ويسيطر علي أكثر من 70% من إنتاج العالم وتجارته وهي أمريكا وإنجلترا وفرنسا وألمانيا واليابان وروسيا وإيطاليا وكندا. وأضيف إلي كبار الثمانية عملاق الشرق الصيني باعتباره العضو الوحيد في مجلس الأمن الذي لا ينضوي تحت لواء الثمانية الكبار، والذين كانوا سبعة حتي سنوات قليلة مضت قبل انضمام روسيا إليهم، وقد يصبحون تسعة في القريب العاجل إذا انفتحت الصين إليهم وهو أمر وارد. التقي هؤلاء الكبار التسعة مع سبعة آخرين من دول الجوار العراقي.. مصر والسعودية والأردن وسوريا والكويت وتركيا وإيران.. وهي كلها دول لها ثقلها ودورها الأساسي في منطقة الشرق الأوسط وأضيف لهم ثلاث دول عربية أخري هم أعضاء الترويكا.. الجزائر وتونس والبحرين، وكان مع كل هؤلاء الأممالمتحدة ممثلة في سكرتيرها العام كوفي عنان والجامعة العربية ممثلة أيضاً في أمينها العام عمرو موسي والاتحاد الأوروبي ممثلة في وزير خارجية هولندا رئيسة الاتحاد هذا العام أيضاً المؤتمر الإسلامي ممثلاً في وزير خارجية ماليزيا. ماذا بقي في العالم وفي العالم العربي من قوي مؤثرة لم تشترك في مؤتمر شرم الشيخ أليس في اجتماعهم رحمة بالمنطقة وبالشعب العراقي، وأن علينا أن نستوعب ونتفهم جيداً ماذا يقولون وما يجري من مناقشات وحوارات واختلافات واتفاقات، أم أن علينا أن ندير ظهورها ونصم آذاننا عن ذلك الواقع ونستنجد بالجن والشياطين مثلما تفعل عصبة الزرقاوي السفاح أو تردد أناشيد البعث القاتلة وشعارات صدام حسين.. آسف الرئيس المناضل صدام حسين حفظه الله!! في إطلاق الكلمات الفخمة الضخمة عن الأمة الخالدة من المحيط إلي الخليج تلك الشعارات التي اختصرها فارس البوابة الشرقية في شخصه وأبنائه وعائلته وعشيرته والتي حكم من خلالها العراق قرابة ثلث قرن فرض فيها أسوأ نظام دكتاتوري مشين علي الشعب العراقي لا ينافسه فيه سوي هتلر ونازيته وموسوليني وفاشيته. اجتمع العالم كله في شرم الشيخ ونيران مدينة الفالوجا العراقية تشتعل يزيد من اشتعالها غزاة أمريكيون يريدون إشاعة عدم الاستقرار والاضطراب في العراق حتي لا يطالبهم أحد بالخروج، ويتكامل معهم ويحقق أهدافهم الزرقاوي وبن لادن وعصابته التي هي في الأصل صناعة أمريكية، ويكمل هدفهم البعثيون من أنصار الرئيس المناضل صدام حسين حفظه الله الذي لا يريد للعراق أن تقوم له قائمة من بعده وبدونه هو وزبانيته. ويجتمع العالم كله علي أرض مصرية غالية حررها الشعب المصري مرتين خلال الخمسين عاماً الماضية من براثن الاحتلال الصهيوني وتلقي مصر بكل ثقلها وبكل ما تملك من قدرات حضارية وثقافية وثقل جماهيري في محاولة لإطفاء النيران المستقلة في العراق والبحث عن طريق لوقف نزيف الدم والخروج من النفق المظلم المفروض علي العراق وعلي المنطقة بأكملها. نعم حضرت أمريكا وكان لها ولوزير خارجيتها دور مؤثر، وهل يمكن أن يكون هناك مؤتمر عالمي حول العالم بدون الحضور الأمريكي ليس فقط كأكبر قوة عسكرية واقتصادية وحتي الآن في عالم اليوم بل وأهم من ذلك لأنها هي التي قامت بغزو واحتلال العراق ولها مخططاتها وأهدافها المكشوفة والمستترة.