في الحلقة الاخيرة من الفصل الرابع لتقرير التنمية البشرية حول "اللامركزية من اجل الحكم الرشيد" نستعرض اجندة السياسات التي قدمها كاتبو التقرير والتي قد راعت في مجملها عدم وضع ضغوط اضافية علي الموازنة في جميع مراحل التحول فيما يعرف في ادبيات الاقتصاد المؤسسي والمالي ب (Fiscal Neutrality) حتي تكون مقبولة سياسيا واجتماعيا.. ولهذا فان السياسات المقترحة في المرحلة الاولي من الاصلاح او التوجه نحو اللامركزية المالية لا تستهدف الاقلال من ايرادات الحكومة، كما يوصي التقرير بتحقيق اللامركزية المالية علي مرحلتين يتوقف تحديد الخط الفاصل لكل مرحلة علي حدة علي حجم المعلومات التي يتم توليدها من خلال النظام المقترح للبدء في المرحلة التالية، وتعتبر اصلاحات المرحلة الاولي بوابة الدخول الي اصلاحات المرحلة الثانية والاخيرة. وتتركز سياسات المرحلة الاولي نحو تمكين الوحدات المحلية في دعم اتخاذ القرار والتمتع بقدر مقبول من الاستقلالية في دائرة صنع القرار وقد افرد التقرير وضع سياسات لمجابهة تحديات مهمة تتلخص في: اولا: تعزيز المساءلة، وثانيا: اتاحة بيانات الموازنة والاستثمارات بصورة اسرع، وثالثا: تشجيع وحدات الادارة المحلية علي تدعيم استقلالها المالي، ورابعا: اعادة النظر في عملية تحديد الاستثمارات العامة، وخامسا واخيرا: اجراء تقويم شامل لتجربة الحسابات والصناديق الخاصة. وينتقل التقرير من هذه النقطة الي سياسات تحقيق اللامركزية المالية في مرحلتها الثانية والتي تتميز بوضع نظام شامل يستند علي اعمال آليات السوق ووضع قواعد لتوجيه الاستثمارات العامة ذات الجدوي وكذا تشجيع مشاركة الاطراف الفاعلة وستسمح الخبرات والمعارف المتراكمة من تجربة مرحلة تطبيق السياسات الاولية بتدعيم العلاقات البينية فيما بين اللاعبين الفاعلين وصناعي السياسات والمشاركين في العملية التنموية بما يمكنهم من ان يضعوا مجموعة من الاسس والقواعد المنظمة التي يتم ادراجها في نظام لا مركزية صنع القرار الجديد. وتتمثل هذه الرؤية في تطبيق سياسات المرحلة الثانية والتي تنطوي علي الآتي: اولا: تلعب المجالس الشعبية المنتخبة دورا محوريا في الاختيارات العامة المحلية، وثانيا: القيام باصلاحات ادارية شاملة وجادة، وثالثا: يتم تمكين الوزارات المسئولة في وضع السياسات القطاعية علي ان يتم التخطيط بالمشاركة مع فتح قنوات الاتصال مع المستوي الادني "وحدات الادارة المحلية" لاستطلاع الرأي في شأن اولويات التنمية، ورابعا: اصدار قانون للمسئولية المالية، وخامسا واخيرا: يتم تنفيذ الاجندة اعلاه مع الاخذ في الحسبان الاعتبارات الاجتماعية مثل الحد من الفقر وتغطية احتياجات الفئات المحرومة والمهمشة. ومازلت علي قناعة بأن هذا الفصل من التقرير يحتاج الي المزيد من الاهتمام من قبل صانع القرار حيث انه يعتبر فكرا ماليا جديدا في العلاقات التبادلية بين مستوي الحكومة المركزية الاعلي والحكومة المحلية في المستوي الادني حيث ان هذه العلاقات الكيانية يجب ان تكون سوية وسليمة وصحية حتي تفرز منتوجا تنمويا مقبولا لجميع الاطراف بعد تحديد ادوارها بصورة متفق عليها تستهدف تحسين كفاءة الخدمة العامة دون ارهاق موازنة الدولة وتكبيلها بما لا تستطيع تقديمه في ظل الظروف الراهنة.