18 يوماً في فم الزمن، قبل أن يجيء يوم انتخاب الساكن الجديد للبيت الأبيض.. الرئيس الأمريكي رقم 44..! مفاجأة.. جون أشكروفت وزير العدل فاجأ الجميع بتعميم شديد السرية علي كل أجهزة الأمن، يخول سلطات مكتب التحقيقات الفيدرالي الاستعانة بأكبر عدد من الضباط ووكلاء تنفيذ القانون التابعين لوكالات الأمن الفيدرالية الأخري، ليشاركوا في إجراء التحقيقات حول التهديدات والمؤامرات الإرهابية التي قد تستهدف يوم الثلاثاء 2 نوفمبر.. يوم انتخاب الرئيس! هذا التوجيه السري الذي يعتبر الأول من نوعه منذ صواعق 11 سبتمبر ،2001 يخول سلطات ال"FBI" أن تستخدم من تشاء من وكلاء: التحقيقات العسكرية، إدارة مكافحة المخدرات، مكتب الكحول والطباق، إدارة الأسلحة والمتفجرات.. ليتم تجييشهم علي مستوي الدولة في وحدات لمكافحة الإرهاب ووقف تهديداته الحالية ضد الانتخابات! ويؤكد المسئولون عن تنفيذ القانون أن ثمة تقارير مخابراتية أن خلايا القاعدة تنشط وتحتشد لإفساد الانتخابات وإيقاع الفوضي فيها.. رغم عدم وجود معلومات متوافرة حول خطة محددة أو هدف معين لهجوم محتمل!.. وإن كان كبار المسئولين بالإدارة الأمريكية يتحدثون عن هجوم واسع النطاق "Large Scale attack" يحدث خسائر بشرية جسيمة، يشبه تفجيرات قطارات مدريد في مارس الماضي التي راح ضحيتها 191 قتيلاً، ودفعت الناخبين الأسبان إلي إسقاط الحكومة والحزب الحاكم!.. هذا التوجيه الهمايوني الغامض لوزير العدل أحدث فزعاً هائلاً في صفوف الناخبين، مثلما أحدث اضطراباً في صفوف المسئولين عن 193 ألفاً من مراكز الاقتراع علي مستوي الولاياتالمتحدة.. وقد جاءت عبارة الوزير في توجيهه المكتوب هلامية ومضطربة.. أنقل عن نصه الذي حصلت عليه صحيفة "USA Today" هذه الكلمات المرتعشة: "في هذا الوقت الذي يتصاعد فيه التهديد، أوجه وزارة العدل ومنفذي القانون أن يتواجدوا إذا اقتضت الضرورة، ومتي اقتضت، لمنع هجمات إرهابية".. وهو كما تري توجيه عام بنشر الرعب، أكثر من الحث علي رفع درجات اليقظة! يسري توجيه الوزير لمدة 60 يوماً من تاريخ إصداره. وقد بدأ مراقبو مكتب التحقيقات الفيدرالي في استعمال السلطات الاستثنائية التي يخولها لهم التوجيه.. راحوا يطاردون القيادات الإسلامية في أنحاء الولاياتالمتحدة لجمع معلومات استخبارية.. مما أثار سخط تلك القيادات، ورفض أغلبهم الحديث عن آرائهم السياسية، والنميمة في أخبار الجيران!. في الصندوق.. إرهابي! امتدت عيون الأمن الأمريكي توسع قاعدة الاشتباه، وتطارد الإرهابيين المحتملين، وتساءل أصحاب المخازن المؤجرة عما إذا كان المستأجرون يتعاملون في منقولات تثير الشك والريبة!.. احتجت إنجي عبدالقادر مديرة الحقوق المدنية بمجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية وهددت.. "الأمريكيون العرب وغيرهم من الأقليات سوف يلجأون إلي مقاطعة الانتخابات، إن أحسوا أن وكلاء الأمن سوف يطاردونهم بالأسئلة في مراكز الاقتراع"!. اشتعل الشك والفزع بين المسئولين عن الانتخابات في الدوائر الانتخابية المحلية بالولايات.. في ولاية إنديانا قررت مسئولة الانتخابات ليندا فيليبس نقل مراكز الاقتراع من المدارس إلي مبان أخري أكثر أمناً وتحصيناً.. بكلماتها: "خطر علي بالي هاتف أن الإرهابيين قد يضربون الانتخابات ويخطفون المدرسة في عملية مزدوجة".. وهو إسقاط مرعب لما حدث في روسيا!. كما اتهم المسئولون المحليون عن الانتخابات في الولاية، وزير خارجيتها تود روكيتا وهو جمهوري! بمحاولة بث الرعب في الناخبين عندما أصدر تعليمات لموظفي مراكز الاقتراع بإجراء مناورة عملية لردود أفعالهم إزاء خطر داهم.. أثناء العملية الانتخابية! في ولاية نيسوتا، أرسلت ماري كيفماير وزيرة الخارجية منشورات إلي قضاة مراكز الانتخاب أن يفتحوا عيونهم جيداً للناخبين، فقد يكون بينهم انتحاري.. ساءلوها بدهشة، أجابت: "إن أولوياتنا أن نحمي أرواح الناخبين.. مثلما نحمي صندوق الانتخاب"!. هذا الرعب المحلق بأجنحته السود علي سماوات انتخابات الرئاسة الأمريكية.. ما سره؟ ربيكافيجيل المسئولة الأولي عن الانتخابات في ولاية نيومكسيكو.. تكشفه: "إنها استراتيجية خفية للحزب الجمهوري الحاكم تستهدف ضغط أصوات الناخبين المقترعين Voter turnout إلي أدني حد ممكن.. إذ ان قراءة تاريخ الانتخابات الأمريكية تؤكد أنه كلما تضخم عدد الممارسين لحق الانتخاب.. صب ذلك في بحيرة الحزب الديمقراطي وحظوته"!. .. ومن الطبيعي أن يبادر جون أشكروفت وزير العدل بنفي هذا الاتهام الفاضح الواضح.. ويصفه بأنه (أمر مناف للعقل absurd)!! كومبارس سياسي! توالت المناظرات.. أولاها بين المرشحين لمنصب نائب الرئيس: ديك تشيني، وجون إدواردز.. وكانت مناظرة فاترة لا تأثير لها علي الحملة الأساسية لكل من المرشحين لمنصب الرئيس، سواء بالإيجاب أو بالسلب.. مجرد زائدة سياسية مثل الزائدة الدودية.. وهي لا تضر إلا في حالة واحدة: إذا تعرض أحد المرشحين لزلة هائلة "huge gaffe"!. وتذكرة الانتخاب تضم اسمين فقط: أولهما اسم المرشح لمنصب الرئيس.. وتحته اسم المرشح لمنصب النائب.. والناخب يعطي صوته عادة للمرشح رقم واحد.. أما رقم اثنين فإنه "كومبارس سياسي"!. وفجر السبت الماضي بتوقيت القاهرة، كانت المناظرة الثانية بين الغريمين: بوش، وكيري.. في قاعة مدينة سانت لويس بولاية ميزوري.. أول سؤال وجهه أحد الناخبين في القاعة إلي جون كيري، كان سؤالاً جارحاً يدمي.. سأله أن يفسر الاتهام الذي يلاحقه به معسكر الجمهوريين من أنه: ضعيف الشخصية، واهن العزم "too wishy - washy"؟! رد كيري رابط الجأش متماسك المنطق: "عندما لم يجد الرئيس أسلحة دمار شامل في العراق، انحرف بحملته الانتخابية مستعملاً سلاح الخداع الشامل"!.. وبذلك ضبط الحوار بينهما علي نغمة خشنة لاذعة.. استمرت حتي النهاية!.