الفيتو الأمريكي الأخير الذي أجهض مشروع قرار مجلس الأمن بإدانة إسرائيل ومطالبتها بوقف حملتها العسكرية علي قطاع غزة هو الفيتو التاسع والعشرون الذي اتخذته الولاياتالمتحدة حماية لإسرائيل وعدوانها. وهذا الفيتو يأتي ضمن 80 فيتو اتخذته الولاياتالمتحدة منذ إنشاء مجلس الأمن والأممالمتحدة سنة ،1945 وكان الفيتو الأمريكي التاسع والسبعون قد أتخذ أيضاً في صيف هذا العام وأجهض كذلك مشروع قرار لإدانة الجدار العنصري الذي تقيمه إسرائيل علي الأراضي الفلسطينية المحتلة، وذلك في أعقاب الحكم التاريخي الذي أصدرته محكمة العدل الدولية بإدانة السور الإسرائيلي واعتباره عدواناً علي حق الفلسطينيين وانتهاكاً للقوانين الدولية. وفي كل مشروعات القرارات التي أجهضها الفيتو الأمريكي حماية لإسرائيل في العامين الماضيين، كانت الولاياتالمتحدة تقف وحدها معزولة عن كل حلفائها، بما في ذلك الحلفاء الأوروبيون التقليديو مثل بريطانيا وألمانيا. ومشروع القرار الأخير المجهض أمريكياً وافقت عليه (11) دولة من بينها فرنسا وامتنعت بريطانيا وألمانيا، وهو نفس التصويت الذي جري تقريباً حول الجدار العازل، وقد اتضحت العزلة الأمريكية حين حملت الدول العربية مشروع القرار المجهض إلي الجمعية العامة للأمم المتحدة، وحصل المشروع علي أغلبية كبيرة إذ وافقت عليه أكثر من 120 دولة، ولم تعترض عليه سوي الولاياتالمتحدة وإسرائيل ومكرونيزيا وجزر المارشال، وهي دويلات شكلية وقزمية في المحيط الهادي لا يتعدي سكانها عشرات الآلاف، وهي في واقع الأمر من المستعمرات الأمريكية. والمشروع الجزائري المجهض في مجلس الأمن كان مصاغاً في لغة ولهجة غاية في الاعتدال، فهو يطالب جميع الأطراف بضبط النفس وبالالتزام بخطة خارطة الطريق، وهي الخطة الأمريكية الأصل، ومع ذلك اعترض المندوب الأمريكي واستخدم الفيتو لأن المشروع يدين إسرائيل وحدها ولا يدين الإرهاب الفلسطيني، أي أنه يريد قراراً يساوي بين الغاصب والمغتصب، بين الذئب والحمل. ومن سخرية القدر أن المندوب الأمريكي تكلم كثيراً عن صواريخ القسام والعمليات الانتحارية الإرهابية التي تقتل المدنيين الإسرائيليين والأطفال بشكل خاص، بينما كانت تجري ساعتها عملية إسرائيلية قتلت عدداً من المدنيين الأبرياء من بينهم طفلان لا يتجاوز عمراهما 11 عاماً برصاصات الدبابات الإسرائيلية التي هدمت البيوت علي أصحابها في قطاع غزة. وبالرغم من مرارة الموقف الأمريكي وقسوته، فمن الضروري أن ينتقل مشروع القرار الجزائري المجهض في مجلس الأمن إلي الجمعية العامة للأمم المتحدة وذلك لفضح وكشف التحيز الأمريكي المطلق للإرهاب والعدوان الإسرائيلي ضد شعب أعزل يحتل أراضيه منذ قرابة نصف قرن بعد أن أثبتت أمريكا أنها الدولة المارقة الكبري. حقيقة ان قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارات غير ملزمة، ولكن قرارات مجلس الأمن هي الأخري غير ملزمة مادامت لم يصاحبها إحالة إلي البند السابع والذي يعطي للمجلس الحق في اتخاذ اجراءات ضد الدولة المعتدية. والواقع أن مشروعات الإصلاح المطروحة علي الأممالمتحدة والتي تعمل الولاياتالمتحدة علي إجهاضها ومحاصرتها، تستهدف أول ما تستهدف إلغاء حق الفيتو أو الحد من استخدامه ووضع القيود والشروط، بما في ذلك أيضاً توسيع دائرة الدول صاحبة العضوية الدائمة في مجلس الأمن بدلاً من قصرها علي الدول الخمس الكبري، حلفاء الحرب العالمية الثانية الذين كسبوا الحرب ضد محور ألمانيا واليابان. لقد جرت مياه كثيرة في الأنهار والبحار والمحيطات وتغيرت الدنيا، وزادت عضوية الأممالمتحدة من 48 عضواً وقعوا الميثاق سنة 1945 إلي أكثر من 190 دولة، "من الطبيعي" بل ومن المفروض أن تواكب المنظمة الدولية وقواعدها وميثاقها التطورات الهائلة التي جرت علي الساحة العالمية طوال الستين عاماً الماضية. لقد كانت الولاياتالمتحدة هي أكثر دولة استخدمت حق الفيتو لإغراق مشروعات قرارات في مجلس الأمن، ولو تتبعنا مؤشرات الفيتو الأمريكي منذ إنشاء المنظمة الدولية سنجد أمامنا ثلاث مراحل لكل منها سماتها الخاصة. مرحلة التوافق الدولي، وهي مرحلة محدودة استمرت سنوات قليلة في أعقاب الحرب العالمية الثانية. وأجرت تغييرات واسعة في العلاقة بين الحلفاء وأشعلت الحرب الباردة بين المعسكرين الذين أسفرت عنهما حقائق الحرب. معسكر شرق أوروبا بزعامة الاتحاد السوفيتي ومعسكر غرب أوروبا بزعامة الولاياتالمتحدة. وفي عام 1949 قامت الثورة الاشتراكية وانتصرت قوات ماوتسي تونج في الصين وطاردت فلول الكومنتاج وقوات الجنرال كاي شيك حليف أمريكا الرئيسي الذي فر جزيرة فرموزا أو تايوان.