مثل قياس نبض القلب وكفاءته، تعطيك النتيجة برهانا علي سلامة القلب لحظة القياس فقط.. لكنه قد يتعرض لازمة قاتلة في اللحظة التالية!.. هكذا شأن قياسات الرأي العام في الانتخابات.. تعكس صورته الوقتية لحظة القياس.. لكن حدثا في الثواني التالية قد يقلب النتائج رأسا علي عقب! دعنا نقلب، في لمسات سريعة، نتائج آخر قياس للرأي العام الامريكي اجرته النيويورك تايمز وشبكة (CBS) أهم الدلائل الحاكمة التي تمخض عنها القياس تقف في وجه المرشحين الرئاسيين بوش وكيري معا.. اغلبية الناخبين المسجلين مازالوا يعتقدون ان الامة الامريكية تسير في اتجاه خاطئ، وتعاني المواجع من طريقة بوش في ادارة الاقتصاد.. وفي نفس الوقت فان الرأي العام يعاني من اضطراب في موقفه ازاء المرشح كيري، بعد الهجوم السام الذي شنه الجمهوريون علي سجله في حرب فيتنام، وعجزه عن الاجابه عن السؤال البسيط: لماذا يرشح نفسه لرئاسة الولايات المتحدة؟! وعلي النقيض يري الاغلبية ان بوش افصح عن رؤية واضحة تجسم برنامجه في فترة رئاسته الثانية.. لهذا اعطوه 8 نقاط تفوقا علي كيري! ويري مساعدو المرشح الديمقراطي ان الهجوم علي بوش امر مهم لتحقيق النصر.. لكن علي كيري ان يراعي الاصوات العائمة التي لم تقرر اختيارها بعد، حتي لا تتجنبه وترمي باختيارها في صندوق رالف نادر المرشح الدسيسة الذي دفع به الجمهوريون الي ساحة الانتخابات، لينشل ما يستطيع من اصوات الترجيح لكفة بوش.. في سباق تقاربت فيه الرؤوس والاعناق! رغم ان اغلبية لا توافق علي الطريقة التي ادار بها بوش حرب العراق.. لكن حدة الرفض تضاءلت نسبيا بعد التسليم الصوري للسلطة الي حكومة عراقية غير شرعية في يونية الماضي.. ورغم تعدي الخسائر البشرية للامريكيين في العراق اصفار الألف قتيل!.. إلا أن في الامر تفصيلا بالغ الاهمية والجسامة، تاليايجيء".. في إدارة الاقتصاد الامريكي أعلن 51% عدم ارتياحهم لقدرة كيري علي اصدار القرارات الصحيحة، مقابل 56% لا يثقون في قرارات بوش.. وسوف يبقي السباق الرئاسي في حالة تنافسية ضارية الي ان تتم المناظرات الساخنة بين المرشحين.. وهي القشة الباقية التي قد تنقذ جون كيري من الغرق! ويري 80% من العينة أن بوش ربما كان يكذب أو يخبئ شيئا وهو يتحدث عن حرب العراق، وكذلك عن خدمته في مهام سرية (Coveted assignments) بالحرس الوطني تهربا من الخدمة في حرب فيتنام.. مقابل 75% اتهموا كيري بالكذب او اخفاء الحقيقة حول بطولاته في تلك الحرب! مدن العراق.. تتحرر! زادت نسبة ترجيح احتمال كسب بوش لانتخابات الرئاسة نهار الثلاثاء 2 نوفمبر بنسبة 17%.. اصبحت 61%، وكانت 44% فقط في مارس الماضي! الحملة المشبوهة التي شنها جماعة من المحاربين القدماء في فيتنام، بإيعاز من رجال بوش، ضد الاعمال البطولية التي سجلها كيري في تلك الحرب.. لم تحقق هدفها.. 75% قالوا انها اتهامات زائفة.. و25% فقط سلموا بصحتها! تراجع حشد الاصوات النسائية وراء كيري وتضاءل.. لكن المرأة الامريكية الناخبة تصدت للاتهام الذي اطلقه نائب الرئيس ديك تشيني الاسبوع الماضي ضد كيري.. بكلماته: "سوف يتعاظم خطر الارهاب علي امريكا.. لو نجح كيري".. ردت غالبية اصوات النساء: "هذه فرضية يجانبها الصواب"! اشباح حرب فيتنام المخيفة تقف، هذه الايام، امام المرايا الامريكية مرتدية ازياء حرب العراق! في قسم الرأي بصحيفة النيويورك تايم، نشروا اخيرا مقالا مشئوم الطالع.. عنوانه: "مدن العراق.. محرمة علي القوات الامريكية".. ويحكي التقرير كيف تخلت القوات الامريكية عن مدن الفلوجة والرمادي وسامراء وكربلاء والصدر وضواحي بغداد.. استردتها قوات المقاومة العراقية مدينة وراء مدينة وحررتها.. الامر الذي جعل الانتخابات العامة الموعودة في يناير العام المقبل تبدو كنكتة مضحكة وشيئا من عدم الامكان! ازاء هذا الموقف الهزلي للعسكرية الامريكية في العراق، انفلت عيارها في صورة ضربات جوية ساحقة ضحاياها من النساء والاطفال اكثر من المقاتلين العراقيين.. هذا القتل بغير هوية والدمار الشامل سوف يسمم سياسات الاحتلال الامريكي وحكومته العميلة في سايجون.. اقصد: بغداد! فضلا عن ان قساوات القتال غير المتكافئ سوف تبقي سمادا في أرض الفرات ينبت العداء ضد كل ما هو امريكي لعقود تجيء! وما اشبه بربرية القتال الامريكية ضد المدن العراقية المحررة، بذلك الشعار الاستراتيجي الذي رفعه الجنرال ويليام ويستمورلند قائد القوات الامريكية في فيتنام، وهي علي مشارف الهزيمة التامة قبل 40 عاما..: "إن علينا ان ندمر القري والمدن جميعها.. لكي يتم إنقاذها"!!