بعد مرور ثلاث سنوات وبضعة أيام علي هجمات 11 سبتمبر علي الولاياتالمتحدة وبعد مبادرة الشرق الأوسط الكبير التي دار حولها جدل أكبر، عاد الرئيس الأمريكي جورج بوش يدعو من جديد لمبادرة لتعزيز الحرية والديمقراطية في العالم خاصة في الشرق الأوسط الذي يبدو أنه يشغله أكثر من أي شيء اَخر الاَن وهو يستعد لخوض الانتخابات الرئاسية. والرئيس الأمريكي صريح في تحديد هدفه من ذلك فالحرية والديمقراطية في الشرق الأوسط ليس الهدف منها أن تنعم شعوب هذه المنطقة بحياة كريمة تحترم فيها حقوقها بل الهدف كما قال بوش في اشارته عن المبادرة التي يطرحها في كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة هو عزم ادارته علي محاربة الارهاب وضربه في الخارج حتي لا تضطر لمواجهته علي الأراضي الأمريكية، وأورد مثالا علي الديمقراطية المطلوب اقرارها بالدعوة لتقديم المساعدة للشعبين المحررين في افغانستان والعراق. حاول بوش الاجابة عن سؤال كان مطروحا بإلحاح في كل بيت أمريكي بعد الهجمات المروعة التي صدمت الأمريكيين في عقر دارهم لأول مرة وهو "لماذا يكرهوننا؟" أي نحن العرب الذين نسبت إلينا وإلي الإسلام هذه الهجمات الوحشية وارتاح بوش لرد سهل فقال: "إنهم يكرهون حريتنا!". وأشار الكاتب الأمريكي ناعوم تشومسكي في مقال له إلي أن بوش لم يكن أول من واجه هذا السؤال فمنذ أكثر من 45 عاما قال الرئيس ايزنهاور إن حملة الكراهية ضد الأمريكيين في العالم العربي نابعة من الشعوب وليس من الحكومات وحدد مجلسه للأمن القومي في ذلك الوقت الاسباب الرئيسية لهذه الحملة قائلا: إن الولاياتالمتحدة تدعم حكومات فاسدة وقمعية في المنطقة وتعطل التقدم السياسي والاقتصادي بسبب مصالحها في السيطرة علي الموارد البترولية في المنطقة. وأظهر استطلاع أجري في العالم العربي بعد 11 سبتمبر أن الاسباب نفسها مازالت قائمة وزاد عليها سياسات أمريكية بعينها مثل الدعم المطلق لإسرائيل وغزو العراق، وفي مثال واحد علي ذلك كتب أحمد رشيد المفكر الباكستاني المختص بشئون المنطقة يقول: هناك غضب متنام في باكستان من أن الدعم الأمريكي يسمح للنظام العسكري الحاكم بتعطيل الديمقراطية الموعودة. لكن يبدو أن بوش لايفرق بين الديمقراطية التي يتحدث عنها رشيد والتي مازالت شعوب المنطقة تطمح إليها وبين ديقمراطية افغانستان والعراق التي نري صورها علي شاشات التليفزيون كل يوم، وحتي يدرك بوش الفرق بينهما لا أعتقد أن أي مبادرة جديدة سيطرحها في مجال اقرار الديمقراطية ستكون ذات جدوي. أما فيما يتعلق بتجفيف منابع الارهاب فيشير تشومسكي في المقال ذاته إلي عبارة قالها قبل 20 عاما ياهوشوفات هاركابي رئيس المخابرات العسكرية الإسرائيلية الأسبق في اعتراف نادر من نوعه من جانب إسرائيلي "إذا قدمنا حلا كريما للفلسطينيين يحترم حقهم في تقرير المصير نكون قد توصلنا لحل لمشكلة الارهاب.. عندما يجف المستنقع لا يكون هناك بعوض". لكن المستنقعات التي توجدها الولاياتالمتحدة كثيرة في أفغانستان والعراق إلي جانب الاراضي الفلسطينية وربما بعد ذلك في ايران وسوريا والبعوض يكثر وضرره يزيد وتصعب السيطرة عليه مهما شن بوش من حملات عسكرية ومبادرات سلمية. وحتي يتمكن بوش من الاجابة الصحيحة علي سؤال "لماذا يكرهوننا" ليتمكن من تجفيف منابع الارهاب وليساعد في اقرار ديمقراطية حقيقية في المنطقة عليه أن يعيد قراءة التاريخ واستقراء الواقع وهو مالم يتسع له وقته في فترة حكمه السابقة وربما لايتسع له وقته في فترة الولاية التالية إذا فاز بها.