كعادتها دائما الحكومة المصرية تصر علي التعامل مع الشعب بلا شفافية ومصارحة ففي الوقت نفسه الذي يترقب فيه المصريون وبحذر شديد ما ستسفر عنه المفاوضات الدائرة منذ أكثر من عامين، بين الحكومة وصندوق ?النقد الدولي? للحصول علي قرض قيمته 4،8 مليار دولار تخرج علينا الحكومة بتصريحات يعتبرها الخبراء ?مسكنة? لآلام الشعب الجريح الذي ترقب بشغف ملف القرض خاصة أن هناك ومخاوف تنتاب المصريين من أن تكون الموافقة علي القرض بمثابة البداية لحياة أكثر مرارة وسلع أكثر اشتعالا قد تضيف أعباء اضافية علي كاهل الشعب المطحون بين ثنايا الفقر. وبينما تصر الحكومة المصرية علي أن المفاوضات مستمرة وتشهد تقدما في كل جلسة إلا أن مسئولي صندوق ?النقد الدولي? يؤكدون عكس ذلك، إذ أعلن الصندوق وعلي لسان مسئوليه بأن موقف مصر يزداد صعوبة وأن الحكومة وما اتخذته من اجراءات غير كافية، وبالتالي بتباعد أمل الحكومة في الحصول علي القرض، في الوقت الذي اقتربت فيه تونس من الحصول علي قرض مماثل ولكن بقيمة 1،8 مليار دولار في مفاوضات لم تستمر أكثر من شهرين. الخبراء قالوا إنه وعلي الرغم من الظروف الاقتصادية الصعبة والمريرة التي يشهدها الاقتصاد المصري،فإنه في نفس الوقت لا يمكن الرفض الكامل للحصول علي القروض الدولية وأيضا لا يمكن الانفتاح عليها بشكل كامل وغير مدروس مؤكدين في الوقت نفسه إن إدارة ملف القروض الدولية والتي تتبعها الحكومة تكاد تكون إدارة فاشلة بكل المقاييس ومن ثم لابد علي الحكومة إدارة الملف هذا وعلي وجه التحديد بعناية فائقة، خاصة أن الفشل فيه سيفتح الطريق أمام اضفاء مويدا من الديون الخارجية علي مصر، ويكبلها بديون قد تصل إلي أكثر من 60 مليار دولار قد يكون حجمها من الناتج المحلي الإجمالي يتخطي نسبة 40% ومن ثم تصبح مصر في خطر. من جهته قال المتحدث باسم اللجنة الاقتصادية بحزب الحرية والعدالة الذراع السياسي لجماعة ?الإخوان المسلمين? الدكتور محمد جودة من خطورة الحصول علي القرض الدولي مؤكدا أهميته القصوي للخروج من المأزق الاقتصادي الذي تعيشه مصر حاليا. واستبعد جودة أن تدخل مصر دوامة التكبل بالقروض مشيرا إلي أن القروض والديون الخارجية التي قد تتحملها مصر في حال الحصول علي قرض صندوق النقد الدولي سيصل مجموعة الديون إلي 40 مليار دولار بما يمثل 22% من إجمالي الناتج المحلي لمصر، سواء من الدعم القطري والليبي والسعودي والتركي وليس 60 مليار دولار كما يقال معتبرا أن ديون مصر الخارجية عند هذا الحد سيكون في الحدود الآمنة. من جهته أكد الخبير الاقتصادي اسلام عزام، أن البلاد شهدت منذ ديسمبر الماضي، ضغوطا شديدة أسفرت عن ضعف قيمة الجنيه وانخفاض الاحتياطي لكن هذا التدهور أخذ في التباطؤ مع الحصول علي الدعم القطري البالغ 5 مليارات دولار والسعودي 2 مليار دولار والتركي مليار دولار. إلي ذلك حذر الباحث في الشأن السياسي وعضو جبهة ?الانقاذ? عمرو حمزاوي، من الدخول بتعمق في سياسة الاقتراض من الخارج دون أجندة واضحة المعالم وأن يترك الأمر دون تخطيط مشيرا إلي أن ما تقوم به الحكومة المصرية حاليا في هذا الملف تحديدا أمر خطير ويفتقد للدقة والتخطيط. وأضاف حمزاوي لابد من إعادة النظر في هذا الشأن من جديد، وأن يتولي ملف القروض الدولية لمصر فريق متخصص من الباحثين والاقتصاديين حتي لا يتم الدفع بالبلاد إلي أسوأ ما هو عليه الآن. وفي سياق متصل وتكذيبا لتصريحات الحكومة بشأن قرض صندوق النقد الدولي قال تقرير بعثة صندوق النقد الدولي قبل مغادرتها القاهرة الثلاثاء الماضي إن موقف مصر مازال صعبا ويزداد صعوبة لأن الاحتياطيات تم استنزافها لتفادي تدهور قيمة العملة كما أن هناك اختلالات كبيرة في القطاع المالي والنقدي وأصبح اقتصاد البلاد مجهدا تماما، ولا يحقق نموا، ومصر في حاجة إلي برنامج لإعادة بناء التوازن الاقتصادي. وأضاف التقرير الداخلي الذي أعدته البعثة الفنية للصندوق أن عجز الموازنة يتضخم، نتيجة التباطؤ الاقتصادي الذي يقود إلي انخفاض الايرادات فضلا علي أسباب هيكلية في الموازنة مثل انخفاض نسبي في الايرادات مقابل جمود في بنود الانفاق الرئيسية، كالأجور والدعم وأسعار الفائدة مشيرا إلي أنه بالنسبة للايرادات اتخدت الحكومة عددا من الاجراءات الضريبية تمثلت في ضرائب علي الدخل ومبيعات وعلي أرباح ومكاسب رأس المال ولكن تم الغاء بعضها والآخر ربما لن يقره مجلس الشوري خاصة ضريبة أرباح رأس المال ورحب أعضاء البعثة بالعطاءات الدولارية التي نفذها البنك المركزي لتنظيم سوق الصرف للعملات الأجنبية علي اعتبار أنها ستسمح بتحسين معدل سعر الصرف إلا أنهم قالوا إن الاجراء لم يكن كافيا لتحقيق توازن في سوق العملة، وبرزت سوق موازية للسوق الرسمية ومن الضروري اتخاذ اجراءات إضافية لتعديل سعر الصرف لأن الخلل الحالي له آثار شديدة علي الاقتصاد. وأفاد التقرير بأن تنشيط الاستهلاك من شأنه تعزيز الاقتصاد علي الرغم مما يثيره من مخاوف بشأن تكلفة الاستيراد وهو ما يتنافي مع ما اتخذته الحكومة من بعض الاجراءات التقشفية وتحجيم الاستيراد وخفض الانفاق العام بعكس ما يتحدث عنه خبراء الصندوق. وشدد علي أن الكرة في ملعب السلطة التي عليها اتخاذ القرار، مرحبا بالقرض القطري البالغ 3 مليارات دولار والليبي بقيمة 2 مليار دولار لكنه قال: الصندوق يؤكد ضرورة أن تلتزم الحكومة بتطبيق البرنامج الاصلاحي رغم وجود هذه القروض الإضافية. وتوقع التقرير اجراءات مالية واسعة في ضوء المناقشات التي تمت مع الحكومة منها اصلاح دعم الوقود، عبر طرح كارت ذكي للبنزين والسولار، بدءا من يوليو المقبل وهو تحد حقيقي في إنتاج وتوزيع تلك الكروت الذي تم اسناده إلي إحدي الجهات الحكومية ومحدد لها جدول زمني لمتابعة ومراقبة واقعية تحقيقه. ولفت إلي أن تنفيذ نظام الكارت الذكي يجب أن يكون مراقبا، مشيرا إلي وجود شكوك لدي البنك تجاه الأمر. وعن السياسات الضريبية قال التقرير إن توسيع نطاق ضرائب المبيعات وتوقيتاتها وقرارات تنفيذها مازالت بحاجة لأن تتخذ، متوقعا أن تنفذها الحكومة قبل الانتخابات لأنه لا يمكن أن يترك الأمر حتي أكتوبر المقبل، حسب التقرير. وأضاف: لا يوجد إحساس بالوقت فيما يتعلق بإنهاء المفاوضات وحتي الآن لا يمكن الحديث عن موعد نهائي للتوصل إلي نتائج نهائية قد تسفر عنها المفاوضات محذرا من أن أرقام الفجوة المالية تتزايد كما أن حجم القرض لم يتم تحديده بعد. وأشار إلي أن بعثة الصندوق لم تقابل الرئيس محمد مرسي، مشددا علي ضرورة توعية أصحاب المصلحة الآخرين ومنهم الأحزاب السياسية. وحول مديونيات الهيئة العامة للبترول للقطاع الخاص والأجانب قال التقرير: الأرقام المتداولة في الصحافة بشأن مديونيات الهيئة والمتأخرات عليها نحو 8 مليارات دولار، وهو رقم يبدو تقريبا سليما وهذه المديونية تمت إعادة هيكلتها في بعض الأحيان بالقوة من قبل الحكومة. وأضاف: التزامات الهيئة العامة للبترول للأجانب تعد ?صندوقا أسود? فيما قال مصدر مقرب من البعثة إن شركات بترول وغاز تم اكتشافهما لحين سداد الحكومة لالتزاماتها لتلك الشركات وفي مجال الضرائب والاجراءات المالية قال: ?الاجراءات المتخذة من قبل الحكومة تسير في اتجاه زيادة الايرادات والصندوق لا يؤيدها جميعا ولكن لا يوجد منا ما هو صارخ أو عنيف?. واعتبرت البعثة تصريحات حمدين صباحي، مؤسس التيار الشعبي، بأن أي قرض من الصندوق يجب ألا يؤثر علي الفقراء وأن التمويل يجب أن يستخدم في استثمارات منتجة بداية جيدة، فيما وصفت تصريحات أشرف العربي، وزير التخطيط بأن مصر تأمل في تحقيق معدل نمو 7% بمتفائلة للغاية، وقالت إنه من الصعب جدا تحديد من أين سيأتي النمو كما أن الصندوق لا يفرض منهجا محددا للنمو ويأمل في استقرار اقتصادي ممكن أن يقود إلي عودة النمو. وأشارت إلي أن هناك شكاوي من الأحزاب بسبب افتقاد آليات التواصل علي الحكومة وعدم وضوح عملية صنع القرار فيما يتعلق بالمجال الاقتصادي والمفاوضات حول القرض. وبالنسبة للأجور قال التقرير: إنها تحتل جزءا كبيرا من الموازنة ويبدو أنها خارج السيطرة وزادت 80% منذ الثورة ومع ذلك لم يتم التحاور بشأنها مع الحكومة التي لا يبدو أنها حريصة علي تقليص هذا البند في الميزانية. وأضاف أن تركيبة نمو فاتورة الأجور وبرامج التشغيل ليست شفافة بالدرجة الكافية، والعائد من الرواتب مطلوب رصده بشدة وستتم دراسته بمعرفة البنك الدولي. وأشار إلي أن هناك مخاطر بشأن سداد الديون السيادية وهي تعتبر غير عالية في الوقت الراهن، موضحا أن تلك المخاطر ليست بشأن الدين المحلي إنما الأجنبي. وفي قطاع البنوك، أشار التقرير إلي أن مؤشراتها مازالت تبدو جيدة ومستقرة وهو أمر مستغرب ولكنه لا يتعارض مع المنهج التقليدي في انخفاض الائتمان أمام الودائع والتركيز علي الدين الحكومي، ومع ذلك فإن اجراءات التيسير علي القطاع السياحي كان يجب أن يكون لها الأولوية، ولكن التعامل المصرفي في هذا القطاع محدود.