قضية مسحول الاتحادية هي في حقيقتها اختصار للمشهد العبثي الذي تعيشه مصر.. ودون تهوين او تهويل من قضية السحل فان ما حدث امام اعيننا وتابعه معنا العالم كله يمثل جريمة مكتملة الاركان لا يمكن التهوين من شأنها، لكن الازمة ان وسائل الاعلام الموجهة اختصرت المشهد كله في هذه الجريمة فقط التي تخص مواطنا واحدا وتجاهلت الجريمة التي تهدد الشعب كله وتهدد استقرار وبقاء الدولة في حد ذاته وهي جريمة اعمال الشغب والحرق والتدمير لمؤسسات الدولة وفي مقدمتها مؤسسة الرئاسة . جريمة السحل تحقق فيها النيابة حاليا، ومؤسسة الرئاسة ادانت الواقعة، والداخلية اعتذرت وهو اقل واجب رغم انكار المسحول نفسه للواقعة وتبرئته للشرطة، لكن البعض رأي في هذه الجريمة مناسبة لا يمكن ان تمر دون التعمية علي الجريمة الاكبر التي ترتكب بحق كل المصريين وهي جريمة تهديد بقاء الدولة وتمكين البلطجية والمسجلين خطر من السيطرة علي المشهد السياسي كله وساعتها ستسحل مصر كلها عندما تقع في قبضة البلطجية والمجرمين . والغريب ان البعض من قوي المعارضة يظن ان تشجيع البلطجية والمجرمين سيصب في صالحهم، وهم مخطئون، لأن البلطجية يحاربون معركتهم هم لا معركة جبهة الانقاذ ولا غيرها، ولا تهمهم الثورة ولا شعاراتها. إن الاستعانة بالبلطجية وتمكينهم وتوفير الغطاء السياسي لهم يعيد للاذهان عصر الاستعانة بالمماليك إبان عهد الدولة الاموية، حتي استولي المماليك علي مقدرات الامور، ثم وصلوا هم انفسهم للحكم واصبحوا هم الحكام بعد ان خضع الجميع لهم . الآن يبدو ان الامر يتكرر بشكل اكثر سوءا، فالبلطجية يتصدرون المشهد تدريجيا ويتزايد نفوذهم بدعم وتشجيع بعض الطامحين والحالمين بالسلطة دون اعتبار لخطورة ما يفعلون، وانه سيكون وبالا علي الجميع، اذا لم تتمكن سلطة الدولة من إحكام قبضتها علي المجرمين الذين يعيثون في الارض حرقا وتدميرا . ليس مهما من في السلطة الآن، وليس مهما ان يستمر الرئيس مرسي ام يذهب ويأتي غيره من خلال صندوق الانتخابات، وامامنا انتخابات برلمانية علي الابواب بعد شهرين او ثلاثة علي الاكثر يمكن لقوي المعارضة ان تحشد صفوفها لتفوز بالاغلبية وتشكل الحكومة، لكن المهم الا تسقط مصر في قبضة البلطجية والمجرمين الذين يستعين البعض بهم ويبررون افعالهم ويروجون لهم ويستفيدون بهم . التظاهر السلمي حق للجميع، ووجود معارضة قوية للرئيس حق وواجب، والسعي للحكم من خلال صندوق الانتخابات من قواعد الديمقراطية، لكن الاحتكام للشارع ومحاولة اسقاط الحكم بدون الاسلوب الديمقراطي الذي يعرفه العالم كله، وتعمد الحشد المستمر حتي لا تهدأ الأمور ولا تستقر، والاستقواء بالبلطجية ومثيري الشغب والمجرمين، وتبرير الحرق والتدمير، واختصار المشهد كله في واقعة معينة مثل واقعة السحل لاضفاء المزيد من التوتر بعيدا عن لغة القانون - حتي لو داس السياسيون ومعهم الاعلام علي كرامة المسحول الف مرة دون مراعاة حرمة ولا كرامة - كل ذلك يمثل استمرارا للعبث الذي يقودنا الي طريق مجهول. الأمر لم يعد يحتمل المزيد من العبث واللعب علي وتر الشحن الخطير في المجتمع، وافساح المجال للبلطجية والمجرمين لهدم مؤسسات الدولة والسيطرة عليها، حتي وصل الي حد محاولة البلطجية استخدام ونش لهدم بوابة قصر الاتحادية ودخوله بالقوة ولا أعرف ما هو تصرف الحرس الجمهوري لو هدمت البوابة؟ وهل من حقهم ساعتها استخدام القوة ضد المقتحمين ام سيخرج البعض ومعهم فضائياتهم ليعلنوا ان اقتحام القصر من حقوق التظاهر ويحذروا من التعرض لهم؟ العبث بلغ مداه ولم يعد الامر يحتمل المزيد.