منذ عدة أسابيع أعلنت الحكومة أنها بصدد إصدار عدة تراخيص في عدة محافظات الصناعة الحديدة وبالطبع عندما تتحدث عن عدة مصانع في عدة محافظات فذلك بالضرورة يعني أنها ليست مصانع لصناعة الحديد بالمعالجة المباشرة للخام، بل هي مصانع لسحب الحديد من البلبت لإنتاج حديد تسليح اللازم للمباني والعقارات ومعروف أن صناعة البليت أي استخدام خام الحديد هي صناعة ثقيلة يلزم لها الفرن العالي كما في شركة الحديد والصلب أو الفرن الدوار كما في شركة الإسكندرية. ولا يتصور أن يتم منح عدة تراخيص في عدة محافظات لاقامتها بل المتصور أن يتم استخدام البليت المستوردة لمواجهة الاحتياج المتزايد في مصر لحديد التسليح، وبمعني أخر تجهيز الحديد المستورد بليت للتسويق في السوق المحلي وهذا اتجاه جار في عدة صناعات في مصر وصناعة السيارات بعد اغلاق شركة النصر لصناعة السيارات وأصبحنا نتحدث عن أكبر مصنع سيارات في الشرق الأوسط في الحقيقة يقوم بتجميع السيارات المستوردة الحالي كذلك في صناعة الالكترونيات في مصر، وهي "صناعة تشطيب" لتجهيز المنتج الياباني للتسويق في السوق المحلي والتسمية الدقيقة لهذه الصناعات هي "صناعات ربط المفك" القيمة المضافة بها قليلة للغاية وتأتي أساسا من فرق الجمارك علي المنتج النهائي وما يستورد مفكوكا كمستلزمات إنتاج ولكن هل من الممكن صناعة الحديد في مصر؟ مصر لديها مناجم خام الحديد في أسوان وفي الواحات الخارجة بصرف النظر عن أن حديد الإسكندرية يستورد الخام من الخارج لكن عيوب خام الحديد في مصر أن تركيز الخام في حديد أسوان الذي كان يستخدم في شركة الحديد والصلب في البداية كان تركيز الخام في حديد أسوان الذي يستخدم في شركة الحديد والصلب في البداية كان تركيزا منخفضا وبالطبع فإن رفع تركيز الخام أكسيد الحديد ممكن وبدلا من خام تركيز الأكسيد 60% أو 70% ويمكن الوصول بنسبة التركيز إلي ما يقرب 100% أي أحسن من أي خام عالمي باستخدام الطرق العلمية الحديثة. أما استخدام خام الواحات فمشكلته أن حوالي 4% من الأملاح القابلة للذوبان، وخطورته أنه يسبب تأكلا في تبطين الفرن الحالي وإعادة التبطين عملية تبلغ تكلفتها حوالي 180 مليون جنيه، وتعطل الفرن حوالي ثلاثة شهور وقد حاولت شركة الحديد تلاقي تلك المشكلة بإضافة خام الفلسبار وهي خامة سليكونية في شحنة الفرن العالي للتخلص من الأملاح التي تأكل الطوب الحراري المبطن للفرن العالي ولكن نتج عن ذلك زيادة نسبة الخبث في الفرن ورفع درجة حرارة انصهاره مما أدي إلي سد الفرن وتعذر خروج الحديد المنصهر الناتج من اختزال الخام وتوقف الفرن العالي نتيجة لذلك تعطل العمل له لمدة طويلة اتخاذ اللازم لصهر الخبث وإعادة التشغيل. والواقع أن مشكلة إزالة الأملاح من خام الحديد يمكن حلها علميا بما ينهي مشكلات الفرن العالي تماما غير أن إحالة الأملاح يلزم له كمية من المياه تقدر بحوالي متر مكعب من الماء لكل طن من الخام بما يعني أن الشركة الحديد يجب أن يتوفر لها ما يزيد لها ما يزيد علي 500 أو600 ألف متر مكعب سنويا بجانب استخدمها الماء لأغراض أخري وبالطبع فقد اعترضت وزارة البيئة علي ذلك مع دخول مصر مرحلة شح المياه ومشكلات دول حوض نهر النيل غير أن مشكلة شح المياه تعالجها الشركة القابضة لمياه الشرب وتنفيذ حاليا مشروعا تجريبيا لتحلية مياه البحر بالطاقة الشمسية باستخدام تقنية جديدة لتوفير الطاقة المستهلكة في محطات التحلية وذلك بالتعاون مع أكاديمية البحث العلمي. ومن شأن حل هذه المشكلة أن يسمح باستخدام المياه لغسل خام الحديد وإعادة استخدمها بصفة مستمرة بكمية مهدرة لإزالة الشوائب لن تزيد علي الكمية التي تستهلكها الشركة لأغراض أخري ويعاد تنقيتها هي أيضا. وغسيل خام الحديد بهذه الطريقة يجعله صالحا بمواصفاته الفيزيائية لعملية رفع تركيز الأكسيد والوصول بتركيز الأكسيد في الخام لما يقرب 100% بدلا من حوالي 68% حاليا. ويترتب علي ذلك زيادة كبيرة في إنتاجية الفرن العالي بما يرفع إنتاج الحديد المصهور أو البليت من حوالي مليوني طن حاليا في حالة الطاقة الكاملة دون أعطال لحوالي 3 ملايين طن بجانب خفض التكلفة بتوفير الطاقة المهدرة في الخبث. إذن فإن شركة الحديد والصلب يمكنها بالاستفادة من الطرق العلمية سواء في غسيل خام الواحات القابضة للمياه أو أكاديمية البحث العلمي يمكنها أن ترفع إنتاجها ويمكنها رفع تركيز أكسيد الحديد في الخام وكل ذلك يخفض التكلفة ويحقق لها قدرة تنافسية عالية في مواجهة البليت الحديد المستوردة بل يجعلها من أكثر شركات الحديد تفوقا علي النطاق العالمي. لكن شركة الحديد ما لم تستخدم القدرات العلمية وتطور أساليب الإنتاج فهي معرضة لميزانيات خاسرة وغير قادرة علي المنافسة ويخشي عليها من التصفية كما هي حال كثير من الصناعات المنتجة في مصر في السنوات السابقة، خاصة أن شركة الحديد والصلب مقامة علي 4 آلاف فدان في التبين لاشك تمثل مطمعا للاستثمار العقاري الطفيلي. وسوف نري أي الطريقين تختار الحكومة.