أن تمسك حلما بعيون خيالك، وأن تجمع قوات صناعة الأمل وراء هدف الحفاظ علي كرامتك وكرامة المجموع البشري الذي تنتمي إليه، تلك هي جوهر حياة كل الفلاسفة والعلماء والأدباء الذين صانوا ثورات القرن العشرين، حتي وإن نزفت حياتهم علي أرض الاستشهاد . الذي جاء بتلك الكلمات إلي رأسي هو هذا العرض الفلسفي شديد التعقيد والذي كتبه مثقف أعتز دائما بالقراءة له وهو محمد حافظ رجب، وكان هذا العرض الفلسفي عن فرانز فانون الذي رحل عن دنيانا منذ أكثر من نصف قرن، وكان واحدا من أفضل المعبرين عن ثورة الجزائر في سنوات تحريرها، وهو صاحب الكتاب الذي بدا لأبناء جيلي كسمفونية للحرية، وهو كتاب معذبو الأرض الذي نشر بعد وفاة فانون بسرطان الدم، وكتب مقدمته جان بول سارتر . والعرض الفلسفي تم نشره في المجلة التي تخطو بالثقة في المستقبل، وهي مجلة "المجلة" التي أعاد الكريم والمحترم د.أحمد مجاهد إصدارها، وقام بتجويد طباعتها بتعليمات المودة التي تربطه بمجموع العاملين بالهيئة العامة للكتاب. وطبعا تتمتع المجلة برئيس تحرير يقظ هو أسامة عفيفي، ولها في الإشراف الفني شرف ما يضيفه الفنان محمد حجي من إبداعاته ذات الجذور والعطر المتجدد في آن واحد، فضلا عن زميلنا عبادة الزهيري الذي رفض الجمود في أي موقع وصار علامة مميزة في التصميم الجرافيكي . ولابد أن أعترف أن دموعي كادت تسقط وأنا أقرأ ما كتبه الفنان عز الدين نجيب عن الجليل حقا وصدقا يحيي حقي، وكيف كان يرعي أجيال الشباب . وعندما قرأت حوار الحاضر المراقب المصر علي الابتعاد رغم قربه الشديد من أي تغير اجتماعي أو فكري، وهو زميلنا الرائع علاء الديب، عندما قرأت حديثه عن ثورة الشباب في الخامس والعشرين من يناير، أحسست بأن جوهرا أساسيا قد غاب عن الحوار، فهو وإن كشف عن غياب فلسفة لتلك الثورة الشبابية الرائعة والتي قامت دون أن نعرف لها قادة واضحي الملامح والمعالم، هذه الثورة بدت لي وكأنها تحقق نبوءة ريمون آرون الفيلسوف الفرنسي الذي رأي أن التقدم التكنولوجي سيؤثر في الأجيال التي تلت أجيال الخمسينيات والستينيات والسبعينيات من القرن العشرين لنواجه أجيالا تخضع لتلك التكنولوجيا دون أن تبصر طرقا لتحقيق ما تحلم به. وهو من تنبأ بسقوط المعسكر الاشتراكي في أوائل الستينيات، وبدت نبوءته تلك كتشاؤم كريه استنكره أهل الشرق والغرب معا، وإن قابله في مصر متنبؤ آخر هو الراحل الكريم وسيم خالد الذي حدد بولندا وتشيكوسلوفاكيا كأوائل البلاد التي ستبدد وتكسر منظومة العالم الاشتراكي . وأعترف أن الوقت الذي قضيته في قراءة مجلة "المجلة" كان وقتا طيبا في زمن التجارة بتخلف غير مسبوق تهب رياحه علينا من اتجاهات مختلفة. شكرا د. أحمد مجاهد شكرا أسامة عفيفي