أعربت نافي بيلاي مفوضة الأممالمتحدة السامية لحقوق الإنسان عن قلقها العميق إزاء الإجراءات الأخيرة في عدد من البلدان للحد من حرية المنظمات غير الحكومية وغيرها من الجهات الفاعلة في المجتمع المدني وحرمانها من العمل بشكل مستقل وفعال. وأكدت أن مشروع القانون بشأن تنظيم المنظمات غير الحكومية في مصر في حال إقراره في صيغته الحالية سوف يقوض علي نحو خطير روح الثورة في مصر، التي لعب فيها المجتمع المدني دورا محوريا.. مؤكدة أن هذا القانون سوف يعطي الحكومة سلطات واسعة جدا لتنظيم ومراقبة وتقييد عمل منظمات المجتمع المدني. وحثت بيلاي السلطات المصرية علي سحب القانون الذي وصفته بأنه ضربة خطيرة لتطلعات حقوق الإنسان والحريات الأساسية التي ناضل من أجلها الكثير من المصريين لفترة طويلة وبكلفة عالية.. وذكرت بيلاي تعرض حرية تكوين الجمعيات لضغوط متزايدة في العديد من البلدان في جميع أنحاء العالم، قائلة: إن حرية تكوين الجمعيات هو شريان الحياة بالنسبة للمنظمات غير الحكومية، والمحاولات القانونية أو الإدارية للحد من أنشطتها قد تكون مدمرة للغاية. وأشارت المفوضة السامية إلي عدد من القوانين الجديدة أو المقترحة والتدابير التي وضعت مؤخرا في عدد من البلدان، والتي فرضت بدرجات متفاوتة قيوداً جديدة علي حق تكوين الجمعيات، مشيرة علي سبيل المثال إلي أن سلطات زيمبابوي في فبراير الماضي أمرت بتعليق أنشطة 29 منظمة غير حكومية. وأشارت أيضا إلي اقتراح قانون في كمبوديا من شأنه أن يسمح للسلطة التنفيذية إغلاق بعض المنظمات غير الحكومية إذا اعتبرت أن أنشطتها تمس الوحدة الوطنية، وثقافة وعادات وتقاليد المجتمع الوطني الكمبودي.. ولن يكون هناك أي استئناف ضد هذا القرار.. ولكن رحبت بيلاي بالتزام الحكومة الكمبودية بإخضاع المشروع لمزيد من التشاور والمراجعة. في الجزائر، ينص القانون الجديد علي أن الهدف والغاية من أنشطة الجمعيات يجب ألا يتعارضا مع "القيم الوطنية".. أما الجمعيات التي لا تمتثل لهذا الحكم فقد يتم رفض طلباتها للحصول علي ترخيص.. وإن تدخلت هذه الجمعيات في "شئون البلاد الداخلية"، يجوز تعليقها أو حلها. المجتمع المدني بما في ذلك المنظمات غير الحكومية والنقابات والمدافعين عن حقوق الإنسان والأكاديميين والصحفيين والمدونين وغيرهم يلعب دورا مهما جدا في ضمان حماية حقوق الإنسان في كل دولة، قالت المفوضة السامية: وجود مجتمع مدني ديناميكي ومستقل قادر علي العمل بحرية، هو من أحد الشروط الأساسية والتوازنات الضررية لبناء مجتمع سليم، وأحد الجسور الرئيسية بين الحكومات وشعوبها.. ولذلك فمن المهم أن تكون المنظمات غير الحكومية قادرة علي العمل بشكل صحيح في البلدان التي تمر بمرحلة انتقالية، وكذلك في الديمقراطيات الراسخة. الجهات الفاعلة في المجتمع المدني تساعد في تشجيع الناس علي المشاركة في اتخاذ القرارات التي تؤثر علي حياتهم.. هذا هو السبب الذي يدفع الأممالمتحدة لأن تضع أهمية كبري لمساهمة المجتمعات المدنية في صنع السياسات والعمل الميداني علي حد سواء، قالت بيلاي: إذا كانت مساهمة المجتمعات المدنية ضعيفة أو مقيدة، يصبح من السهل تهميش احتياجات الناس العاديين، وعلي وجه الخصوص احتياجات الناس الأكثر عرضة للتمييز في أي مجتمع. وأعربت بيلاي عن قلقها أيضا إزاء المحاولات الأخيرة أو الجارية في عدد من البلدان لتشديد الرقابة علي المنظمات غير الحكومة من خلال تقييد مصادر تمويلها، والتمويل الأجنبي بشكل خاص وهو ما تعتمد عليه إلي حد كبير العديد من منظمات المجتمع المدني الفعالة.. في إثيوبيا اضطرت العديد من منظمات حقوق الإنسان للإغلاق بسبب قانون سنة 2009 الذي يمنع الجمعيات من الحصول علي أكثر من 10% من مواردها من الخارج. وقالت إن السلطات المصرية قامت بتضييق الخناق علي منظمات المجتمع المدني ذات التمويل الأجنبي كما أدت الصورة السلبية التي يتم نقلها عن النشطاء المصريين إلي تعرضهم لحملات تشهير وتهديد وتخويف. وأضافت بيلاي: أجد التشهير بالنساء في مصر أمرا محزنا للغاية وخاصة في دول شمال إفريقيا والشرق الأوسط حيث لعبت النساء دورا مهما وشجاعا جنبا إلي جنب مع الرجال، في عملية طرد أو تحد لقمع حكامهم.. بينما تقوم هذه الدول بوضع قوانين ومؤسسات جديدة أن لا تفعل ذلك مع واحد من الجنسين فقط وأن لا يكون هذا الجنس مشاركا وحده في العملية الانتقالية.. الاعتداءات اللفظية والجسدية علي الأعضاء.. النساء في المجتمع المدني هي واحدة من العلامات الأولي علي أن عملية الإصلاح بدأت تتأزم. المنظمات غير الحكومية يجب أن تكون قادرة علي العمل بعيدا عن تدخل السلطة التنفيذية.. قالت مفوضة الأممالمتحدة السامية لحقوق الإنسان: يجب أن يتم التشاور معها وإدراجها في القرارات السياسية، لاسيما عندما تشهد الدولة تحولا جوهريا أو عمليات انتقالية.. ويجب أن لا تعاقب هذه المنظمات بسبب انتقادها لسياسات الدولة أو التشكيك بها.. يتعين علي الحكومات أن تدرك أن التعاون مع المجتمع المدني ليست علامة ضعف، بل هو السبيل لبناء مجتمع أفضل وأكثر شمولا، وهو أمر لا تستطيع الدول القيام به أو إدارته بنفسها. بيلاي أشارت أيضا إلي أن حرية تكوين الجمعيات منصوص عليها في عدد من الصكوك الدولية لحقوق الإنسان بما في ذلك الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، وهو بمثابة اتفاقية ملزمة صادقت عليها 167 دولة، بما في ذلك جميع الدول المذكورة أعلاه. وقالت: لحسن الحظ في العديد من البلدان بما في ذلك بعض الديمقراطيات الناشئة يسمح للمجتمع المدني أن يعمل بكل ما أوتي له من قدرة، وذلك كجزء من جهد تعاوني مع المؤسسات الحكومية والدولية، مثل مكتبي.. ففي تونس، علي سبيل المثال، أصبح مكتب الأممالمتحدة لحقوق الإنسان قادر الآن ليس فقط علي إقامة تواجد له في البلاد للمرة الأولي في تاريخه، ولكن أيضا لبناء علاقة وثيقة وناشطة مع كل من الحكومة والمجتمع المدني المزدهر في البلاد "كما قالت بيلاي". من الطبيعي أن يكون هناك توترات في بعض الأحيان في العلاقة بين منظمات المجتمع المدني والسلطات، ولكن ليس من الضرري أن تتفاقم هذه التوترات إلي درجة إلي العداء والشك أو إلي القمع المباشر من قبل السلطات، قالت المفوضة السامية: في الأمد البعيد، لا تكتسب الدول شيئا لا بل تخسر كثيرا عندما تحاول خنق المجتمع المدني.