لا يعقل أن تكون أمريكا حريصة اليوم علي سوريا وعلي حرية الإنسان فيها، وكذا الحال بالنسبة لبريطانيا وفرنسا وتركيا. ولا يعقل أن تكون إسرائيل كذلك حريصة علي مستقبل سوريا فالحرص هنا من قبل هؤلاء يتبلور حول أمر واحد هو زعزعة سوريا من الداخل ونشر الفوضي الخلاقة تنفيذا لمشروع الشرق الأوسط الجديد. أما الجامعة العربية فظهرت في المشهد كهمزة وصل تدير تنفيذ الأجندة التي رسمت لسوريا من أجل اسقاط النظام فيها. لقد استطاعت إسرائيل أن تزرع لها اعدادا كبيرة من العملاء والجواسيس في سوريا وتمكنت جهات عديدة من تهريب السلاح إلي سوريا وأجهزة تنصت واستخبار. وعندما ثار المواطن السوري من أجل طلب الاصلاحات كان هذا من حقه غير أن الثورة لم تبق محصورة في الداخل السوري إذ ركبها كل من عمل علي مدي سنوات علي تطويع العرب وقهرهم وسحقهم كي يظلوا أدوات مستعبدة لإرادة الاخرين ومستباحة الديار والأعراض. تحرك المجتمع الدولي صوب ما يحدث في سوريا.. كثف جهوده بصورة غير معهودة.. سمح لنفسه بولوج الشأن السوري الداخلي. دول كثيرة ومنظمات دولية ووسائل إعلام تحريضية وأنظمة عربية شرعت في التدخل وكأن كل الأطراف الخارجية تتعجل الأمر لتحصد النتائج بأسرع وقت ممكن. وظهر هذا بوضوح في انذارات جامعة الأنظمة العربية للنظام السوري.. تتحدث من عل وبفوقية لم تحدث من قبل تعطي مهلة يوما أو 48 ساعة والا.. كانت في عجلة من أمرها. عجلة لم تشهد لها حركة العلاقات الدولية شبيها من قبل. ولم تضع أمريكا الوقت سدي ومن ثم بادرت ودعمت المعارضة. وعندما تقف أمريكا مع قوي المعارضة الخارجية فهذا يعني أن هذه المعارضة علي خطأ. وعندما تدعم أنظمة عربية توجها معينا فهذا يعني أن هذا التوجه ضد الأمة. جهات أجنبية وعربية لم ير منها الوطن العربي خيرا. أمريكا عملت مع اسرائيل ومن خلال التعاون مع أنظمة عربية علي اضعاف العرب وابقائهم عرضة لنهش أجسادهم عبر الفقر والتخلف والجهل. وعليه فإن أي وطني غيور لا يمكن إلا أن يقف في الجهة المعاكسة لأمريكا والغرب وإسرائيل. ومن الطبيعي أن يحدث ذلك لأننا لا يمكن أن نقف مع من يريد أن يلحق بنا الشر والاذي والعدوان والقهر. هؤلاء يتمنون سقوط سوريا في مستنقع الحرب الاهلية. ولكن الحريص علي العروبة يتمني أن تخرج سوريا من هذه الغمة سالمة غانمة بكل أطيافها ولكي يتحقق ذلك يتعين علي النظام تقديم روشتة الحل من خلال اصلاحات حقيقية تري النور علي أرض الواقع. كما يتعين علي المعارضة أن تلتصق بالوطن بعيدا عن التدخل الخارجي الذي إذا انساقت نحوه لن تجني إلا الضرر والسقوط. علي كل من يحرص علي إخراج سوريا من أزمتها أن يبحث عن حل داخلي بحيث يتحلق الجميع حول المصلحة السورية بعيدا عن التدخل الأجنبي الذي يريد الشر بالأمة العربية. والحديث عن ذلك يستدعي "برهان غليون" رئيس المجلس الوطني، فلقد فقد مصداقيته عندما ارتمي في حضن الغرب وراح يجوب دوله ينشد منهم الدعم والتأييد رغم علمه المسبق بأن هذا الغرب لا يريد الصالح للأمة لأنه لا يعرف سوي مصالحه هو ستظل أمريكا بالمرصاد لسوريا في مسعي منها لتحقيق مآربها ألا وهي فصم العلاقات بين سوريا وإيران وحزب الله وحماس للانفراد بكل طرف علي حدة بما يصب في صالح الكيان الصهيوني. كان غريبا أن يظهر برهان غليون حريصا علي تنفيذ ما تريده الولاياتالمتحدة، ففي لقاء معه أجرته صحيفة وول ستريت جورنال في الثاني من شهر ديسمبر الحالي وعد بقطع العلاقات العسكرية الاستراتيجية مع إيران فيما إذا وصلت المعارضة للحكم في سوريا، كما وعد بقطع العلاقات مع حزب الله علي أساس أن حزب الله وفق رؤيته هو ذراع لإيران وليس قوة مقاومة ضد إسرائيل. وكأنه يتجاهل عن عمد أن حزب الله هو الذي ألحق الهزيمة باسرائيل في يوليو عام 2006 وهي الهزيمة التي لم ينكرها قادة إسرائيل سواء الساسة أو العسكريين وفي معرض حديثه عن حماس بشر "غليون" بطردها تحقيقا لمطالب أمريكا وكشرط لعلاقات صحية أمريكية مع نظام سوريا الجديد. ولاشك أن رسالة برهان غليون تكشف عن التصاقه بأمريكا وتجسد في نفس الوقت عنصر طمأنة للاحتلال فلقد أكد أن سوريا الجديدة ستعمل علي استعادة الجولان بالتفاوض وحده ويبدو أن غليون نسي أن سوريا الاسد حاولت التفاوض أكثر