حقيقة كبري نعايشها جميعا تؤكد أن لا أحد يتعظ، وبالتالي فكل من ملك زمام سلطة نسي نفسه وأراد الهيمنة علي الجميع والسيطرة علي كل الأمور وشرع يديرها بنفسه ولا يهمه فيما إذا كانت إدارته لها خرقاء عرجاء أو خارجة علي القانون والدين والقيم والأخلاق. ثوار ليبيا ثاروا ضد "القذافي" الذي أجرم ونكل بأفراد شعبه وبدد ثروة بلده. ولكنهم استخدموا نفس الآلة عندما أجهزوا عليه حيا وقاموا بعرض جثمانه شبه العاري علي الملأ علي مدي أربعة أيام، كان الجثمان يرقد علي مرتبة قذرة وقد فاحت رائحته الكريهة بعد أن تحلل. ويتساءل المرء هل هذه هي الديمقراطية التي يسعي مسئولو ليبيا الجديدة إلي ارسائها؟ هل هذه هي العدالة وحقوق الإنسان والحكم الرشيد؟ كل ماطفا علي السطح نزعات ثأرية تجلت في تصفية "القذافي" وأبنائه ومن عمل معه.. وتشف بشع تجلي في طريقة التعامل مع الجثامين. كان غريبا أن نري ثوار ليبيا الذين ثاروا ضد الطغيان والظلم والقهر والقتل والإرهاب أكثر دموية وسادية عندما ارتكبوا جريمة إعدام "القذافي" أسيرا وشرائط الفيديو كانت كافية لاظهار الجرم الذي ارتكب والأسلوب البشع الذي اتبع في تصفية ""القذافي"" وابنه "المعتصم". أسلوب غير أخلاقي وغير قانوني وغير إنساني ما كان للثوار أن يتورطوا فيه وهم الثائرون ضد الظلم والطغيان. وكان الأجدر بهم فيما لو انصفوا عدم قتله بهذه الصورة التي أساءت لهم أمام العالم كله وعكست نموذجا بشعا الإسلام وكل الأديان برءاء منه. كان الأجدر بهم الابقاء عليه حيا كي يمثل أمام العدالة وتجري محاكمته وينفذ فيه حكم القانون. مؤشرات تشير إلي أن أمريكا هي التي أصدرت أمرا بإعدامه، كانت تعلم بمكانه وتم رصده ولا أدل علي ذلك من زيارة هيلاري كلينتون ل "طرابلس" فجأة عشية مقتل "القذافي"، فقد فسرت الزيارة علي أنها أعطت الضوء الأخضر لتصفيته حيث إن مقتله يعد انتصارا لأمريكا وفرنسا وبريطانيا، ولا غرابة فأمريكا تريد للفوضي الخلاقة أن تسود دول المنطقة، ولقد رأينا كيف دخلت أفغانستان وقسمتها وحولتها إلي بلد يعج بالفوضي وتسوده الحرب الأهلية، وكيف أنهادخلت العراق وقتل أكثر من مليون شهيد وشردت أربعة ملايين ونصف المليون ورسخت الفتنة الطائفية بين السنة والشيعة والقوميات الأخري ورملت النساء ويتمت الأطفال ونهبت وسلبت ودمرت البنية التحتية تدميرا شاملا، وبددت ثروات العراق النفطية والمعدنية وأراضيه ومصانعه، ويكفي الاحتقان الطائفي والاثني والطبقي الذي انتشر بين مكونات الشعب العراقي. واليوم.. أمريكا علي علم بالتناقضات التي تحكم الشعب الليبي بكل أطيافه وتعلم أنه قائم علي العشائرية والقبلية، وأن قتل "القذافي" لن يمر هكذا بدون ثأر مما سيدخل الدولة في تناحرات قبلية ويغرقها في حرب أهلية. وهو مخطط يخشي الكثيرون أن يجري تمريره علي الدول العربية من أجل تفتيتها وتجزئتها بما يصب في صالح إسرائيل. هذا فضلا عن موقع ليبيا الاستراتيجية ووقوعها في المدخل الإفريقي وهو المدخل الاقتصادي المهم لأمريكا والكيان الصهيوني، فالمراد لليبيا أن يسري عليها ما جري للسودان من تقسيم. ورغم ما قام به "الناتو" من غارات علي ليبيا أسفرت عن قتل الكثير من المدنيين خلال القصف العشوائي الذي نفذه بدعوي إنهاء حكم ""القذافي"" وهي الغارات التي مهدت لتصفية "القذافي" بالصورة الوحشية التي تم بها اغتياله والتي باركها قادة حلف الناتو رغم ذلك يأتي المجلس الانتقالي اليوم ليطالب الناتو بالبقاء وتمديد فترة عملياته في ليبيا حتي نهاية العام الحالي علي الأقل. ويرد التساؤل علام هذا وقد سقط نظام "القذافي" وباتت كل المدن تحت امرة المجلس المذكور؟ وما حاجة المجلس الانتقالي إلي وجود الناتو بعدما تم الإعلان عن تحرير ليبيا؟! هل غاب عن المجلس الانتقالي أن الناتو لن يترك ليبيا في حالها وإنما ستتعرض علي يديه لأبشع أنواع الابتزاز؟ فقيادات الناتو لن تنفك تبحث عن مطالبها بتعويضات أسر ضحايا الجيش الجمهوري الايرلندي البريطانيين، وضحايا تفجير الملهي الليلي الألماني "لابيل"، وستمارس القوي الاستعمارية التي جاءت بدعوي تحرير ليبيا من نظام "القذافي" عملية ابتزاز واضحة للشعب الليبي ولهذا فإن المرحلة القادمة ستكون أصعب بكثيرمن التي سبقتها ولن يخرج الناتو بسهولة من ليبيا إذ سيكون له حتما موطئ قدم فيها. سيستغل قادة "الناتو" سقوط نظام "القذافي" في تكريس وجودهم في ليبيا. ولهذا بدا الفرق واضحا عندما كان قادة المجتمع الغربي حريصين علي مطالبة حكام دول المنطقة بضرورة تحري حقوق الإنسان وتطبيق حكم القانون. أما واقعة تصفية "القذافي" فكانت هي الاستثناء عن القاعدة. إذ أنهم باركوا عملية الاعدام وباركوا التمثيل بالجثمان في عرض بشع وهو ما يؤكد التواطؤ بين مسئولي المجلس الانتقالي الوطني الليبي وبين قادة دول حلف الناتو علي تصفية "القذافي" وأبنائه جسديا علي النحو الذي جري