أظن أن المواطن العربي صار يعاني من أي حديث عن فلسطين، خصوصا بعد هذا التاريخ الطويل من مسلسلات الأمل التي يتلوها الاحباط. وأثق أن القوة الاقتصادية العربية التي نتجت عن حرب أكتوبر 1973 لم يتم وضعها في مكانها الصحيح حيث لم يصنع العرب في مجموعهم نهضة علمية وصناعية تليق بما أنجزوه في تلك الحرب الجليلة . وفور أن دخلنا في ردهات "الحل السلمي" لم يكن هذا الدخول بإرادتنا، ولكن برؤيتنا أن الحصول علي السلاح اللازم لمواجهة إسرائيل مواجهة عربية شاملة، هذا السلاح غير موجود، وأعني به سلاح الإرادة المستندة إلي خطة عمل طويلة الأجل، وضاعت إرادات الدول العربية في مسلسل الخطب الضخمة التي سمعناها من حزب البعث سواء في العراق أو سوريا، وسمعناها في أغلب خطب القادة العرب الآخرين، ولم تكن هناك خريطة لنشر المدارس من المحيط إلي الخليج ولا بتوحيد الخبز العربي من المحيط إلي الخليج أيضا، واكتفينا بإقامة مبان عالية التكاليف أطلقنا عليها اسم "الجامعات" دون أن تشارك تلك الجامعات في حل مشكلة واحدة من المشكلات العربية الجسيمة، مثل اختيار نظام اقتصادي عربي لا يعتمد علي الاستيراد فقط ولكن يعتمد أيضا علي الإنتاج، فيوفر لنا فرص عمل للجيوش المتراكمة من الشباب الذي يعاني من البطالة . ومازلت أتذكر وقوفي في ردهة مكتبة الإسكندرية أمام الدكتور أحمد الجويلي وزير التموين الأسبق، لأسأله عن حلمي البسيط وهو توحيد إنتاج الرغيف من المحيط إلي الخليج، وهو حلم كتبته فحدثني عنه عمرو موسي ووعد بمناقشته بعد عرضه علي الخبراء، لكن المناقشة لم تتم، لأن أحمد الجويلي حسم الأمر قائلا "أنت ما تطلبه شبه مستحيل لأن ظروف الزراعة والصناعة والنقل ليست مهيأة في عالمنا العربي لتحقيق هذا الحلم". وعندما تم منذ عامين تقريبا اجتماع المؤتمر الرئاسي للاقتصاد العربي بالكويت، وعلمت ممن لا يعرف الكذب أو التدليس طريقا إلي أسلوبها في العمل وهي السفيرة ميرفت التلاوي، علمت منها أن خططا علمية تم وضعها وتحتاج إلي موافقة عملية ورصد المبالغ اللازمة لها كي تحقق درجة من التكامل الاقتصادي في عالمنا العربي، وعندئذ آمنت أن هذا هو الطريق لتحرير فلسطين بقوة الاقتصاد المنتج غير المعتمد علي الغرب . يبقي أن نعلم أن دولة فلسطين التي نبحث عن اعتراف بها من مجلس الأمن هي دولة تم الاعتراف بها عام 1948 حين تم الاعتراف بإسرائيل، فالقرار هو اعتراف بدولتين، هكذا سمعت من نبيل العربي أمين جامعة الدول العربية، وتفعيل القرار لا ينتظر فقط قرارا جديدا من مجلس الأمن، ولكنه يبدأ من تحقيق أول درجات التكامل الاقتصادي العربي . فهل نحن قادرون علي ذلك؟