جميل أن ترتفع الاعلام ومعها الهامات تطالب بكل الطموحات ليبقي ميدان التحرير منبراً لكل مجتهد ولكل صاحب رأي حر يسعي أن يري في وطنه مصر ما تستحقه من مكانة باعتبارها أقدم الحضارات والممالك التي عرفها التاريخ البشري. وجميل أيضا أن يرتفع الحس الوطني من داخل ميدان التحرير ويعلو صدي ذلك أضعافا مضاعفة من خارج الميدان ليذكي الشعور الوطني في اتجاه الهدف الاسمي بأن مصر فوق الجميع. ومع اعترافنا نحن جيل الوسط بأن مصر للجميع ولا حق لأحد في مصادرة رأي مخالف مهما تواضع شأن صاحبه باعتبار أن المحصلة النهائية تصب في مصلحة الوطن علي أن تتفق تلك المحصلة مع صوت المنطق والعقل والحق بحيث يقبلها ويتكامل معها الجميع ولا تكون مدعاة لفرقة أو تناحر بين الاتجاهات المختلفة وظهور نزعة الأثرة والاستئثار بالرأي. هذه المحصلة النهائية المعبرة عن مختلف الآراء الممثلة لقوي الشعب ليست هدفا في حد ذاتها وانما هي المدخل الرئيسي المؤدي إلي استراتيجية العمل الوطني في المرحلة القادمة علي امتدادها عبر المستقبل قريبه وبعيده. وقد يتفق معي البعض في أن أهم ما يحتاجه واضع أية استراتيجية انما يكون البحث عن ترتيب الأولويات حيث إن النجاح في ذلك يرتبط ارتباطا وثيقا بتحديد منحني الصعود المأمول لتلك الاستراتيجية الناجحة التي تصلح للعمل الوطني بمفهومه الصحيح، كما أن عكس ذلك صحيح من أن الفشل في ترتيب الأولويات حسب أهميتها ومراحلها ينجم عنه وضع استراتيجية متعثرة لا يتوافر لها قوة الدفع الذاتي لفترة ممتدة وعودتها في كل مرحلة إلي دائرة الاختلاف حولها مرة أخري. وقد يري معي البعض من جيل الوسط الذين تركزت خبرتهم المهنية في مجال الصناعة والانتاج والنهوض بالفرد وتعظيم إمكانياته وانتاجيته كما ونوعا في أن تقدم الدول يقاس بتقدمها الاقتصادي وتعاظم ميزانياتها عاما بعد عام وذلك بازدياد الانتاج المطرد بما يوفره ذلك من فائض في ميزانية الدولة يصب بالإيجاب في ميزانيات الصحة والتعليم والبنية الأساسية والاتصالات وأيضا تعظيم القوة الدفاعية لمؤسساتها العسكرية. لذا فإنني انضم للكثرة التي تري أن قضية الانتاج وقضية التشغيل والارتقاء بمستوي الأيدي العاملة حفاظا علي رأس المال البشري لقوي الشعب العاملة هو أمر له أولوية متقدمة في منظومة العمل الوطني تحقيقا لمصالح الدولة العليا. من هذا المنطلق ونحن أمام حقيبة وزارة الصناعة والتجارة وقد تولاها رجل من أهلها، وفي ضوء واقع الحال يبقي هناك سؤال حائر بلا جواب عن مستقبل وزارة الاستثمار التي ورثت وزارة قطاع الأعمال العام والتي سبق لها بالتالي تفريغ وزارة الصناعة في عهدها السابق من اختصاصها الأصيل من إدارة لشركات القطاع الصناعي المملوك للدولة بما في ذلك مهمة تطويره وإعادة هيكلته وإدارة شئونه بالكامل. وهناك رأي ينادي أصحابه باستمرار برنامج الخصخصة وانه لا عودة إلي الوراء، بينما يري البعض الآخر بأن تعود وزارة الأعمال بكل اختصاصاتها من نشاط صناعي وتجاري ذي العلاقة بوزارة الصناعة، وبذا فإن الأمور تعود لنصابها السابق من اختصاص أصيل لوزارة الصناعة بتطوير الصناعات المملوكة للدولة من إعادة هيكلة وتطوير واستثمار يصب فيها ليحولها من الخسارة إلي المكسب بما يصاحب ذلك في الرعاية الفنية والاجتماعية لعمال مصر الملحقين بتلك الصناعات وهو توجه يحمل الكثير من الطموحات التي تمس المجتمع الصناعي بأكمله والتي تختلف تماما عن توجه وزارة الاستثمار ومن قبلها وزارة قطاع الأعمال العام من أن مال القطاع الصناعي المملوك للدولة إلي شتات عن طريق البيع والخصخصة وهو الاتجاه الذي تم العزوف عنه استجابة لواقع استراتيجي وإرادة شعبية مما تحتم معه أن تتبني وزارة أخري هذا الفكر التنموي الاستراتيجي الآخذ بالنظرية العكسية وهي التطوير والتحول من الخسارة إلي المكسب وتبني سياسات الاندماج أو الانفصال تحقيقا لمصلحة تلك الصناعات المملوكة للدولة التي يصب نجاحها في إنجاح منظومة الصناعة المصرية. أما رجال الصناعة والاقتصاد فعليهم الآن أن ينبذوا التردد والتوجس وينطلقوا في أعمالهم ويوسعوا من استثماراتهم بوازع من حسهم الوطني ورؤيتهم التخصصية والتي تصب في المصلحة العامة وليعلموا أن ما حققته الدولة لهم من مكاسب في المرحلة السابقة كلفها المليارات بمعيار المال وعشرات السنين بمعيار الزمن كان من أبرز ملامحها تأمين البنية الأساسية الصناعية من مدن صناعية وطاقة كهربائية ومرافق واستيعاب لتكنولوجيات متقدمة وانطلاقة لمنظومة الجودة واتفاق مصالح أصحاب الأعمال مع عمالهم والذين لا ينكر الفضل لهم في القدرة علي استيعاب التكنولوجيا الحديثة الوافدة وما لذلك من أثر مباشر في بناء القدرة التنافسية للمجتمع المصري عبوراً به لأسواق التصدير وتحقيق أرقام واعدة بالتنامي في منظومة لا يجب لها بأي حال من الأحوال أن تتراجع أو تتوقف لأن في