الاعتراض علي أحكام القضاء والتشكيك في نزاهة وحيادية القضاة قد يكون بداية الانهيار لنا جميعا وبداية لمرحلة جديدة من الفوضي وغياب المعايير وسيطرة فكر الشارع وأصحاب الأصوات المرتفعة. ومجلس إدارة نادي قضاة مصر علي حق تماما في تعبيره عن استيائه الشديد لما يتعرض له قضاة مصر وقضائه الشامخ من اعتداءات وتجاوزات عبر وسائل الإعلام المختلفة بما ينال من هيبتهم وكرامتهم وهز الثقة فيهم. ولكن الحقيقة هي أن وسائل الإعلام هي الأقل انتقادا للقضاء ورجالاته، وأن التشكيك في أحكام القضاء في بعض القضايا السياسية مؤخرا إنما صدر عن جموع من المواطنين وعدد من المحامين الذين ظهروا في مختلف الفضائيات يعبرون عن رفضهم للأحكام الصادرة بحق بعض وزراء النظام السابق ويدعون إلي أن تمتد الثورة إلي تطهير القضاء. وهي انتقادات جانبها الصواب وجاءت انفعالية تمثل ترجمة لمرحلة من الفوضي واختلاط المفاهيم وإلقاء الاتهامات جزافا، وهي أيضا تعكس فكرا شعبياً غاضبا ومنفعلا ومشحونا يبحث ويتعجل صدور أحكام للقضاء تكون متسقة ومتوافقة مع تطلعاته ورغباته وأحكامه السابقة التي أصدرها بالإدانة في حق النظام السابق ورموزه. وسيكون علي رجال القضاء مواجهة كل هذه الضغوط الشعبية والتعامل مع القضايا المطروحة أمامهم وفقا للقانون والأدلة والمستندات بعيدا عن العواطف والقناعات الشعبية لكي تكون المحاكمات قانونية وليست سياسية، وهو تحدي كبير وصعب خاصة وأن العديد من رجال القضاء لهم مواقف وآراء سياسية أصبحت معلنة ومعروفة. وما نأمله من رجال القضاء العادل في بلادنا هو ألا يتأثروا بكل ما يقال من نقد أو مديح وأن تكون مهمتهم هي السعي لإعلاء وترسيخ قيم الحق والعدالة دون أن يتوقفوا لإصدار بيانات أو تصريحات يبررون فيها قراراتهم أو يدخلون فيها طرفا في مواجهات مع أحد، فمكانتهم واحترامنا لهم سوف يدفعنا جميعا إلي أن نكون خطا للدفاع عنهم صونا لهذا الوطن وحماية له من التفكك والانقسام وفقدان الثقة في كل شيء. إن القضاء في بلادنا هو الخط الأحمر الذي لا يجوز الاقتراب منه أو التعليق علي قراراته وأحكامه سلبا أو إيجابا. S [email protected]