فتحت ثورة 25 يناير آفاقا جديدة أمام المجتمع المصري ليس فقط علي مستوي الحريات السياسية وتكوين الأحزاب وإعادة النظر في التشريعات المنظمة بطبيعة الدولة المصرية الجديدة وآليات عمل المؤسسات المختلفة وأنما امتدت هذه الصلاحيات لتشمل المحاسبة وإعادة التقييم لكل ما هو سابق ووضعه موضع المساءلة. هذه الحالة التي يصفها المراقبون بتصحيح الأوضاع أو الانقضاض علي الماضي الفاسد لم تقتصر علي الأوضاع السياسية ولكنها تناولت الأوضاع الاقتصادية ومدي سلامة القرارات المتعلقة بهذا الجانب خاصة مع مثول عدد من المسئولين السابقين وصانعي السياسات الاقتصادية رهن التحقيق لاتهامات متعلقة بالفساد. ومن أبرز الانتقادات التي يرددها الوسط المهتم بشئون الاقتصاد تتعلق بقرار تحرير سعر الصرف عام 2003 أو ما يعرف بتعويم الجنيه المصري إلي الحد الذي وصف فيه أحدهم القرار بأنه اسوأ من نكسة 1967 وأنه وراء حالة التأزم والصعوبات التي يواجها الاقتصاد القومي. يأتي ذلك في الوقت الذي تسيطر فيه حالة من الجدل المثار داخل الشارع المصري حول المسئولين السابقين وطريقة تعاملهم مع الملفات المختلفة ومدي ملاءمة القرارات التي تمت اتخاذها واعتمادها في الفترة السابقة للاوضاع والتوجيهات الاقتصادية السليمة. وكانت حكومة د.عاطف عبيد قد أقدمت علي اتخاذ قرار تعويم الجنيه خلال مؤتمر في نهاية يناير 2003 واعتبر هذا القرار نقلة تاريخية للاقتصاد المصري حيث كان يجب أن يتواكب هذا القرار مع حزمة من الإجراءات لتطوير الجهاز المصرفي ووضع سياسة نقدية حكيمة وايجاد سوق حرة مفتوحة للنقد الأجنبي تقوم فيها المصارف بالدور الاساسي. وكانت قرارات التعويم قد تزامنت مع زيادة الضغوط علي الجنيه المصري حيث بلغ سعر الدولار في السوق السوداء 38.5 جنيه مقارنة بالسعر الرسمي 51.4 جنيها وبعد أن خسر الجنيه 36% من قيمته خلال 4 عمليات خفضا لقيمة الجنيه منذ أواخر عام 2000 عندما كان سعره 40.3 جنيه مقابل الدولار. وعقب العمل بتحرير سعر الصرف انطلق بفعل المضاربات المتلاحقة ليقفز إلي اتجاه ال 7 جنيهات قبل أن يعود تدريجيا بفعل السياسات الحكيمة التي اتبعتها إدارة البنك المركزي الجديدة بقيادة د. فاروق العقدة الذي تمكن من كبح جماح الدولار الذي عاد ليقف ويستقر حول مستواه المنطقي عند 70.5 ويظل قريبا من هذه النقطة لأكثر من 6 سنوات ثم يعاود الصعود مؤخرا مع ثورة التحرير ليصعد قليلا إلي حدود ال 6 جنيهات تمت مراقبة وسيطرة من جانب المركزي للتدخل عند اللزوم أو عند حدوث أي مضاربات. بعض الاقتصاديين يري أن سياسة تحرير الصرف تتنافي مع تدخل السلطة النقدية وينبغي ترك حركة العملة لآلية العرض والطلب لأن هذا التدخل في النهاية يؤدي إلي خسارة جزء من الاحتياطي النقدي وهذا الرأي يذهب إليه أحمد آدم الباحث المصرفي الذي يري أن قرار التعويم كان قرارا صائبا.. ولكن تطبيق علي أرض الواقع شابته إجراءات توجيه السعر لأن تحرير سعر الصرف لا يتماشي مع التدخل المتكرر من السلطة النقدية لحماية العملة المحلية بشكل أو بآخر. واعترب ادم أن حماية الجنيه أو الضغط علي سعر الدولار عند حد معين معناه أن الدولة تدفع أموالها لصالح المستفيدين من المستوردين ورجال الأعمال وغيرهم مؤكدا أنه ينبغي أن يترك السعر لآليات السوق وألا تضح أية أموال لحماية العملة المحلية. وأشار إلي أن سياسة الدولار كمخزن للقيمة قد انتهت وأنه لم يعد الآن يفكر بنفس الطريقة القديمة في ظل الاقتصاد المفتوح. لكن د. بكري عطية عميد الأكاديمية العربية للعلوم المالية والمصرفية يري أن تدخل السلطة النقدية لضبط ايقاع سوق الصرف أمر واجب وضروري مشيرا إلي أن تحرير سعر الصرف ليس مفهومه أن تغل يد المسئولين عن السياسة النقدية لان ضبط السياسة النقدية وسعر الصرف أحد المهام الأساسية التي تقوم بها البنوك المركزية في جميع دول العالم. وتساءل د. عطية لماذا يتدخل المركزي الياباني الآن ليضخ المليارات من الين ويدعم موقف الاقتصاد الياباني، ويجيب نفسه إنه الدور الطبيعي الذي ينبغي أن يقوم به البنك المركزي لحفظ الاستقرار الاقتصادي وحراسة الأمن القومي وهو دور تقوم به جميع البنوك في المواقف الخاصة ولفت د. بكري إلي أن الاقتصاد الوطني يمثل بعدا مهما من أبعاد الأمن القومي لأن هناك في بعض الحالات يتم استهداف الاقتصاد من أجل صناعة أزمات ومشكلات وهي