بعد أن كانت المعدات تضخ نحو 300 ألف برميل يوميا من النفط الخام عالي الجودة من حقل الصحاري الواقع جنوبطرابلس إلي أنبوب ضخ بطول 800 كم يصل إلي ساحل البحر المتوسط حتي أسابيع قليلة مضت اوقفت شركة ريبسول واي بي إف الإسبانية التي تدير الحقل عمليات الإنتاج وكان ينظر إلي هذا المشروع الذي تبلغ قيمته مليارات عدة من الدولارات علي أنه إشارة بأن قطاع الطاقة الليبي بعد 20 عاما من تدني الاستثمارات والعزلة يتمتع بانتعاش مجددا. لكن حينما اندلعت الثورة الليبية في البلد الإفريقي الشمالي في السابع عشر من شهر فبراير اندفع العمال الأجانب من الحقل إلي مهبط طائرات في الصحراء ليغادروا. وقام بالأمر ذاته الآلاف من العمال الأجانب الآخرين الذين كانوا يعملون في حقول مثل واحة وأمل الأمر الذي أدي إلي إيقاف إنتاج ليبيا وصعود الأسعار العالمية للنفط نحو الارتفاع. تقول صحيفة الفاينانشال تايمز إن الأزمة الحالية التي تعانيها صناعة النفط تتعدي نطاق ارتفاع الأسعار ووصولها إلي 124 دولاراً للبرميل بسبب توقف الإمدادات لأجل قصير فالتغييرات التي تكتسح الشرق الأوسط وشمال إفريقيا اللذين يشكل إنتاجهما من النفط نحو ثلث إنتاج العالم تعيد رسم سياسات المنطقة وسيكون لها تأثير أعمق علي أسواق النفط من مجرد خسارة نفط ليبيا لأشهر قليلة عدة. يقول ديفيد كيرش المستشار لدي شركة بي إف سي إنيرجي مرددا وجهة نظر منتشرة علي نطاق واسع بشأن السوق: "إننا نمر بتغيير حاسم في سياسات النفط في الشرق الأوسط وربما لن تتراجع مستويات الأسعار لما كانت عليه في العام الماضي حيث يمكن أن تقرر الحكومات الجديدة في الدول العربية التي نجحت بها الثورات في إبقاء أسعار النفط عند تلك المستويات المرتفعة من أجل توفير مزيد من الأموال التي قد تفيدها في اعادة البناء". أثبتت ثورات العرب أن صناعة النفط لا تستطيع بعد الآن أن تتجاهل مشكلات المنطقة: النمو السكاني المتفجر ومعدل البطالة العالي والتضخم المتزايد وغياب الحريات في عصر الإنترنت والقمع العنيف للمعارضة. وقلة يرون نهاية سريعة لهذه الثورات. ويقول تنفيذي في إحدي دور تداول النفط الكبري: "لقد خرج الجني من الزجاجة ولا سبيل لإعادته إليها". تدفع مصافي تكرير النفط الأوروبية أسعارا عالية قياسية لمؤشر النفط الخام برنت في الأسواق الفعلية لتأمين إمدادات من النفط الخام عالي الجودة ومتدني مستوي الكبريت بعد خسارة الإنتاج الليبي. وارتفعت الأسعار بالنسبة إلي أنواع النفط الخام المماثلة لتلك التي توفرها بلدان شمال إفريقيا بما فيها نوع بي تي سي بلند من أذربيجان وبوني لايت من الجزائر وصحاري بلند من الجزائر كذلك وكومكول من كازاخستان إلي مستويات عالية للغاية لم نشهدها منذ سنوات عدة. إلي جانب النقص قصير الأجل والصعوبات في البدء بالإنتاج مجددا يمكن أن تعاني سوق النفط مشكلات أكبر في الأجل الأطول. ويخشي المحللون والمستشارون وتنفيذيو الصناعة من أن تقرر الحكومات في المنطقة الحكومات الحديثة والقديمة تبني سياسات جديدة ستنتج منها أسعار أعلي للنفط. ويقول بيل فارن برايس من مجلة "بترويليوم بوليسي انتليجنس" المتخصصة في المعلومات والسياسات النفطية: إن النفقات الاجتماعية الأعلي لن تضع ضغوطا في الاتجاه الصاعد علي أسعار النفط فقط وإنما ستقلل كذلك الأموال المتاحة لشركات النفط التي تملكها الدولة للاستثمار في طاقة الإنتاج المستقبلية. مصطفي عبد العزيز