ارتضت ثورة الخامس والعشرين من يناير بأن يكون القضاء هو صاحب الكلمة الأولي في عقاب المخطئين في حق المصريين وتوالت أمامنا أسماء كنا نظن أن العدالة لن تقترب يوماً من أي منهم فهم السادة الذين يملكون كل شيء ويديرون كل تفاصيل أيامنا بما يحقق لهم مكاسب تفوق الخيال وتصيبنا تلك التفاصيل بقهر يفوق الخيال أيضاً. وهل ينسي أحد أن جمال مبارك قال ذات خطاب لمن شعروا بالخجل من بعض تصرفاتهم "مالكم.. هل علي رأس أحدكم بطحة؟" ولم ينطق أي منهم بالقول الحقيقي وهو "نعم علي رأس كل نظام الحكم بطحة اسمها التوريث الباحث عن شكل وإجراء يتيح للنجل أن يرث الأب دون أن يكون الأب قد أوصي له بالحكم علنا، ولكن كل الإجراءات كان يمكن أن تسير إلي هذا الاتجاه". المهم أن الثورة قامت وانزاحت غمة هائلة عن الصدور، ولكننا غرقنا جميعاً في فيض من متابعة الانتقام، ونكاد أن ننسي أن مسئوليتنا الأساسية هي متابعة رحلة إنتاج لا تجعلنا نمد اليد إلي الغير، فليس للعامة حق التدخل في تفاصيل القضاء، وعلينا أن نعي حقيقة أننا جميعا من العامة لأننا لسنا أهل اختصاص بالقانون وألا نعي كل التفاصيل. لقد صرت أكره مناقشة ما يدور في ساحات القضاء، وصرت لا أطيق متابعة كيف تصورنا الأحداث وكأننا كنا جميعا من أهل الغفلة عما كان يدور، علي الرغم من أن أيا منا في جعبته أكثر من حكاية حدثت معه شخصياً أو يعرف تفاصيلها كاملة، ولكن قوة البطش المدججة بأجهزة الأمن هي التي وقفت بيننا وبين رواية تفاصيل ما نعرف. الآن لنترك القضاء ليقول كلمته في كل تفاصيل النهب الذي تعرض له المصريون، وعلينا أن ننتبه إلي حقيقة وضرورة قيام أي منا بمسئولياته، لأننا لن نقوم بتصدير ما نعرف من وقائع يندي لها جبين أي كائن بشري، لكن علينا أن نقوم بإنتاج ما يمكن أن نصدره للخارج وأن نرحب بالسياحة كي تعود أفواجها لتسري دماء الحياة في شرايين هذا المجتمع.