ينظر أغلب الأمريكيين إلي مساكنهم باعتبارهم أكبر وأهم استثمار في حياتهم. ولا شك أن ضمان حصولهم علي أفضل أنواع قروض الرهن العقاري يعد شرطا أساسيا لتحقيق سلامة أوضاعهم المالية إلي كونه أيضا كما علمتنا الأزمة الاقتصادية الأخيرة من موجبات سلامة الاقتصاد الأمريكي كله. وهذا يعني في تقدير مجلة "فورتشن" ضرورة الاسراع في حل مشكلات وكالتي الرهن العقاري الحكوميتين الكبيرتين فاني ماي وفريدي ماك وتسوية أوضاعهما علي نحو يحدد بالضبط دور الحكومة الفيدرالية في دعم السوق الثانوية للرهونات العقارية المنزلية. وهذا ما تفعله الآن إدارة الرئيس أوباما بالاشتراك مع الكونجرس ويعد من أهم القضايا التي يواجهها كل منهما. ويتساءل بعض الناس هل أمريكا في حاجة أصلا لسوق ثانوية لرهونات المساكن؟ ولماذا لا تتم العودة إلي الأيام القديمة الجيدة التي لم تكن فيها مثل هذه السوق ولم تكن مصائر البنوك معلقة بما تكونه من رهنيات عقارية؟ وللإجابة عن هذين السؤالين يقول جون ستمف رئيس مجلس إدارة شركة ويلز فارجو ورئيسها التنفيذي إنه عندما قرر شراء أول مسكن في حياته عام 1976 أي منذ 35 سنة كان الرهن العقاري مسألة نادرة. والحقيقة أنها كانت موجودة ولكنها تتم بشكل رشيد لأن البنوك ببساطة لم تكن لديها الودائع الكافية لتلبية كل الطلب الخاص بالحصول علي قرض للرهن العقاري. وأمريكا في واقع الأمر لا ينبغي أن تعود مرة أخري إلي هذا الماضي البعيد الذي قد يحرم الأمريكيين وابنائهم واحفادهم في المستقبل من فرصة الحصول علي قروض الرهن العقاري ولكن علينا أن نضع في الاعتبار جملة من الحقائق. ففي أمريكا الآن 76 مليون بيت منها 51 مليونا تم شراؤها بقرض من الرهن العقاري. وقيمة قروض الرهن العقاري هذه في مجموعها 11 تريليون دولار من الديون. وهو قدر من الديون لا تتحمله موازنات البنوك الأمريكية وحدها. وأمريكا كأمة اذا ارادت أن تتيح ملكية المساكن للناس علي أوسع نطاق وتجعل تملكها في مقدورهم فإن عليها كما هو حادث بالفعل إقامة سوق ثانوية لقروض الرهن العقاري تعمل بكفاءة وعدالة مع الجميع. وقد اقيمت وكالتا الرهن العقاري الحكوميتين فاني وفريدي ليكون جزء من مهمة كل منهما تحقيق هذه الأهداف ولكن الوكالتين شهدتا مشكلات كبيرة علي الطريق وتتولي الوكالتان حاليا ضمان الرهونات العقارية الخاصة بنحو 31 مليون منزل وقيمة قروض هذه الرهونات في مجموعها 5 تريليونات دولار. وقد كان دور الوكالتين مهما جدا في هذا السياق إلي حد أن الحكومة الأمريكية هرعت في عام 2008 عام انفجار الأزمة المالية العالمية إلي تقديم اغاثة مالية لهما بلغت حتي الآن 250 مليار دولار. وما دمنا قد استبعدنا تصفية فاني وفريدي ولن نصفيهما في المستقبل أيضا فإن علي أمريكا أن تحدد المبدأ أو القاعدة التي ستشكل علي أساسها عملية تمويل شراء المساكن بالنسبة للأمريكيين في المستقبل، وتحقيق ذلك في رأي ستمف يتطلب الحرص علي توافر 3 شروط، أولها أن يحقق فرص الرهن العقاري مصلحة لكل الأطراف الضالعة فيه لكي يكون من نوعية جيدة، وهذه الأطراف هي العميل أو الزبون الذي يحصل علي القرض والمؤسسة المالية أو شركة السمسرة التي تنشئه ثم المستثمر الذي هو في واقع الحال مالك القرض، أن كل الأطراف لابد أن تستفيد من هذه العملية، فالمنشأ إذا لم تكن فيه فيه مصلحة مالية لن يهتم بجودة نوعيته وستحدث قرارات إقراض ليست سليمة تقع آثارها السلبية فيما بعد علي المستثمرين وهي مسألة تحول سوق الرهن العقاري إلي سوق كرتونية هشة قابلة للعطب بسهولة. وتدور حاليا حوارات واسعة وصحية في أمريكا حول النسبة من ثمن البيت التي يتعين علي المشتري أن يوفرها والنسبة الباقية التي يتولي المقرض وهو البنك توفيرها له في عملية الرهن العقاري، ولا توجد بالطبع نسبة سحرية يمكن الركون اليها ولكن ما يمكن قوله علي العموم هو انه كلما تشاركت كل أطراف الرهينة العقارية في المخاطر والمزايا كانت هذه المخاطر والمزايا واضحة ومفهومة ستزيد بالضرورة درجة جودة القرض وهذا قد يكون معناه من الناحية العملية زيادة النسبة التي يتعين علي المشتري توفيرها وزيادة نسبة تماشي المخاطر التي قد تتعرض لها البنوك المقرضة، ولكن يتعين أيضا أن تكون التكاليف طويلة الأجل بالنسبة للملاك والمصرفيين والاقتصاد في مجمله منخفضة جدا، ولكن نتأكد من جدوي وقيمة هذا القول يكفي أن نضع في الاعتبار ما سبق أن تكبده الاقتصاد الأمريكي من جراء الرهونات العقارية التي سبقت حدوث الأزمة المالية الأخيرة. والشرط الثاني هو انه مهما كان الدور الذي ستضطلع به الحكومة الفيدرالية في عملية الرهن العقاري لكي تسير هذه العملية إلي الامام فإن هذا الدور لابد أن يكون واضحا وجليا ومحددا وليس غامضا أو مهما، وإذا كانت المساندة