قالت صحيفة فاينانشيال تايمز البريطاينة إن المشكلة التي عاناها محمد البوعزيزي - الشاب التونسي والبائع المتجول الذي منعته المضايقات الرسمية الحكومية من الاستمرار في ممارسة مهنته - كانت الرصاصة التي أطلقت الصحوة العربية التاريخية. وأضافت في تعليق لها علي "اقتصادات الربيع العربي" أن انتحار البوعزيزي بإحراق نفسه احتجاجا علي الوضع، والاحتجاجات التي تبعت ذلك في أنحاء أخري في العالم العربي تؤكد أن التظلمات السياسية والاقتصادية في العالم العربي هما وجهان لعملة واحدة، وأن الديمقراطية يجب أن تحمل الوجهين السياسي والاقتصادي إذا أريد لها النجاح. وقالت فاينانشيال تايمز إن الدول العربية تختلف بصورة كبيرة من واحدة لأخري من حيث المسائل السياسية فيها، ومن حيث درجة الاستبداد واحتمالات التغيير وهيكلة الاقتصاد، لكن كل هذه الدول تحتاج إلي الإصلاح، وبدون استثناءات، كلها تعاني من نفس الأسقام الاقتصادية. وقالت إن المشكلة الأساسية للدول العربية هي أنها دول ريعية (تعيش علي ريع الأصول الثابتة). ففي الدول الغنية بالنفط والغاز تبلغ عائدات الموارد الطبيعية أكثر بكثير من كلفة إنتاجها. ويعتبر الحصول والسيطرة علي هذه العائدات أو الريع الاقتصادي المصدر الأول للثراء. ولذلك فهي الوسيلة والغاية من السلطة. في نفس الوقت فإن مأساة الدول العربية الفقيرة أنها تخلق ذلك الريع بصورة اصطناعية طالما أن الله لم يمنحها تلك النعمة، ويؤدي الاحتكار والقوانين الرقابية والتخويف إلي الحد من الدخول إلي الأنشطة الإنتاجية مما يعود بفائدة جمة علي قلة منتفعة علي حساب مصلحة أمم بكاملها. ومهما كان مصدر الريع فإن الاقتصاد الريعي هذا عبارة عن حلقة مفرغة، حيث يدفع محور التركيز الاقتصادي ومحور القوة السياسية بعضهما البعض. ولهذا السبب تلتحم الكرامة بوسيلة العيش في مطالب الأغلبية العربية المستبعدة، والتي رفعت صوتها أخيرا. ولهذا السبب أيضا لن تنجح الثورات السياسية في المنطقة إذا لم تتواز مع تحولات اقتصادية. التظلمات السياسية والاقتصادية في العالم العربي هما وجهان لعملة واحدة ويجب علي الديمقراطية أن تحمل الوجهين السياسي والاقتصادي إذا أريد لها النجاح، وحتي في الوقت الذي تتلمس فيه كل من مصر وتونس الطريق إلي التحول السياسي، فإن التحدي الاقتصادي يعتبر تحديا ملحا. وقالت فاينانشيال تايمز إن الأولوية للحكومات يجب أن تكون لدفع عجلة الاقتصاد ومنع هروب الثروات القومية، وبالنسبة للمنطقة كلها فإن الهدف البعيد المدي يجب أن يكون التخلص من الدولة الريعية حيثما أمكن ذلك وتخفيف قبضة الدولة عن الاقتصاد في المناطق الغنية بالموارد. وبالرغم من أن الانفتاح السياسي في مصر وتونس يعتبر خطوة مرحب بها فإنها تمثل تهديدا للاقتصاد، فعدم وضوح المستقبل يمنع تدفق رأس المال الأجنبي بينما قد يسعي الأثرياء إلي إخراج أموالهم. فالحذر مطلوب، ويجب ملاحقة الفساد. لكن القطاعات التي يسيطر عليها أصحاب الحظوة عند الحكام يجب أن تبقي تعمل، بينما تتم مصادرة الأموال غير الشرعية. وأكدت الصحيفة أن السعي لمنع هروب رأس المال يمكن أن يتسبب في هروبه بسهولة، ولذلك فإن إيجاد طرق لتبادل رأس المال الأجنبي أفضل من فرض قيود علي رأس المال. وقالت إن هناك حاجة إلي العثور علي مسئولين من التكنوقراط حيثما تنجح الإصلاحات الدستورية، كما أن هناك حاجة لقيادة سياسية اقتصادية من أجل التخطيط لإصلاحات طويلة الأمد تعتمد علي تعزيز المنافسة، وإعادة توزيع الفرص وهو ما قد يواجه معارضة من المنتفعين الوصوليين. وقالت الصحيفة إنه ليس من الصحيح القول إن كل الإصلاحات ستكون صعبة التطبيق. إذا يحتاج الإصلاح إلي إزالة القواعد التي تجعل الدخول إلي الأنشطة الاقتصادية أمرا صعبا. لكن توزيع السيطرة علي الشركات ربما يكون أمرا أصعب.