لم يكن عدوان يونيو 1967 سوي ابن لترصد القوة الكبري ودلوعتها إسرائيل لنا، وقد رأوا بعيون واضحة ما لم يره جمال عبد الناصر، فعلي الرغم من ان ناصر قد استطاع ان يقلب الظروف الدولية ضد إمبراطوريتين هما إنجلترا وفرنسا وعلي الرغم من تطويقه لألاعيب الكبار التي أرادت تصفيته مرة بالسموم ومرات بتعميق الخلافات العربية العربية فإن شيئا من هذا لم ينجح معه، لكن ما نجحت فيه القوي الكارهة لتنمية المنطقة العربية هو دراستها للاخطاء الصغيرة الموجودة في نظام جمال عبدالناصر وكان أهمها استنزاف طاقات مصر وجيشها في حرب اليمن، وفي إصراره علي ان ندفع تكلفة نشر القومية العربية من قوت اليوم العادي.. وجاءت يونيو 1967 فاضحة كاشفة، لكن المصريين بوعيهم العالي استطاعوا لملمة أشلاء القوة المصرية وأعادوا بناء قواتهم المسلحة ولم تمض سوي 6 سنوات حتي كان الجيش المصري قد كتم أنفاس إسرائيل في مشاهد لم تنسها إسرائيل حتي كتابة هذه السطور، ورغم القوة العسكرية الهائلة التي تملكها وهي من تعلم جيدا ان اتفاقية السلام محترمة من قبل المصريين لكن مصر لن تسمح أبدا بتبديد الطاقات يمينا وشمالا.. ورغم ذلك تم تسليط الأنياب المسماة صندوق النقد والبنك الدولي علينا كي تستنزف قوانا المنهكة بفعل تكلفة الحرب المنتصرة. واستطاع الرئيس مبارك أن يخفض ديون مصر بمقدار النصف بعد ان أثبتت مصر قدرتها علي صيانة استقلال الدول العربية وكان النموذج هو الكويت، إذا كان الحال كذلك فقد جاءت السنوات بزيادة هائلة للسكان، فضلا عن قلة القدرة علي الصرف علي التنمية بشكل يحقق بالسرعة اللازمة تحسين الحياة في بلدنا مع العلم بأن ذلك قد شمل الكون كله لا مصر وحدها. ولذلك جاءت حكاية "الديمقراطية" وألاعيب الاصلاح التي شاءها جورج بوش باسم الفوضي الخلاقة لتنفذ عبر الثقوب الطبيعية التي تحدث في أي مجتمع يتحول من الاقتصاد الاشتراكي إلي الاقتصاد الحر. وعلينا ان نعترف بأن عمليات التحول تلك أظهرت لنا هوة واسعة من ترهل الجهاز التنفيذي وألاعيب البعض الذين كان يطلق عليهم المرحوم رفعت المحجوب وصف القطط السمان، وهم من صاروا حاليا حيتانا كبيرة.. والنتيجة الواضحة هي وجود تنمية لا يشعر المواطن العادي بها، ووجود متعلمين بشكل صوري دون قدرة علي الحياة الجادة، فضلا عن ان ظروف العمل المعاصرة تجد فيها عدوانا صارخا علي المبتدئين في العمل بداية من عدم وجود تأمينات، مرورا بكتابة استقالة قبل توقيع عقد العمل، ووجود فئة من أصحاب رءوس الاموال الصغار الذين يستنزفون الاطفال في أعمال مهينة مثل صاحب المصنع السكندري الذي قتل من الضحايا ما يفوق أعداد ضحايا كنيسة القديسين، وكل ذلك ناتج عن اتساع الهوة بين الثراء البالغ والفقر المدقع. وإذا كانت هناك خطوات جادة في طريق مقاومة الفقر، فعلينا ان نبدأ علي الفور في محور التنمية الذي يشق الصحراء الغربية ليصل إلي حدودنا مع السودان. المهم ان نبدأ في مشروعات عملاقة يشعر الناس من خلالها انها بذور أمل حقيقي يمكن ان يعيشوا معه مثلما عاش جيلي مع السد العالي فخر مصر في النصف الثاني من القرن العشرين، هذا هو طريق هزيمة الفوضي الخلاقة التي اخترعتها سيدة الاستعمار المعاصر وهي الولاياتالمتحدةالامريكية. منير عامر