بعد خراب مالطا وبيع أغلب الشركات الرابحة أعلنت الحكومة بشكل رسمي خلال العام الحالي تجميد برنامج الخصخصة وعدم البيع لمستثمر استراتيجي وهو ما اعتبره الخبراء من أهم قرارات 2010 لكنهم أكدوا أن القرار يعكس نوعا من التخبط في سياسات الحكومة التي تسعي إلي التحرر واقتصاد السوق الحر. وكان البرنامج قد توقف تماما خلال العامين الماضيين بسبب مشروع قانون الصكوك الشعبية الذي لم يلق قبولا لدي المجتمع ثم تبع المشروع الأزمة المالية العالمية لتزيد الوضع سوءا ثم تتعاقب تصريحات الوزير السابق لوزارة الاستثمار الدكتور محمود محيي الدين باستبعاد بيع أي شركة إلي مستثمر رئيسي سواء كانت هذه الشركة رابحة أو خاسرة حيث سيتم تطوير الشركات الرابحة، وضخ استثمارات جديدة لتحديث وتطوير الشركات الخاسرة وتصحيح أوضاعها والاتجاه إلي الطرح الجزئي في البورصة إلا أن الوضع الحالي للبرنامج يكشف اتجاها سياسيا لتجميد البرنامج بالكامل بسبب عدم التوافق المجتمعي واعتصامات واضرابات العمال والجو الذي شحنه معارضو الخصخصة بالرفض الكامل للبرنامج. ويطرح الموقف الحالي سؤالا مهما: ماذا تبقي في حوزة الدولة من شركات؟ لتأتي الإجابة أن معظم الشركات الباقية شركات لن نقول إنها شركات متعثرة كشركات قطاع الغزل والنسيج ولكنها علي الأقل لن تلقي قبولا لدي المستثمرين. إن تجارب عديدة من حالات البيع لمستثمر رئيسي تبرر الرفض الشعبي للبرنامج ولعل آخرها كانت صفقة عمر أفندي وما انتهت إليه الشركة من خسائر تجاوزت رأس المال بعشرة أضعاف ثم بيعها لمستثمر مصري بعد دخول الحكومة في نزاع مع المستثمر السعودي أمام التحكيم الدولي ومطالبتها بفسخ التعاقد، إلا أن الصفقة الأخيرة لم يكتب لها النجاح وهو ما يثير العديد من علامات الاستفهام. وبيعت شركة بيبسي كولا بنحو 52 مليون دولار، وبعد أربع سنوات قام المشتري ببيع 77% من أسهم الشركة لشركة بيبسي كولا العالمية مقابل 400 مليون دولار. أما شركة القاهرة للزيوت فبيعت لمستثمر بسعر 58 مليون جنيه وبعد عدة أشهر قام المستثمر بتخريب أحد مصانعها الأربعة وباع أرضه بمبلغ 148 مليون جنيه وباع جهاز فصل النيتروجين فقط بنحو 50 مليون جنيه. والأمثلة عديدة وكثيرة لصفقات طرحت العديد من علامات الاستفهام مثل شركة طنطا للكتان وشركة الغازات الصناعية والمراجل البخارية وقها للاغذية وشركة المعدات التليفونية، وغير ذلك من الحالات. بداية، يري الدكتور صلاح الجندي أستاذ الاقتصادي بجامعة المنصورة أن موضوع الخصخصة بشكل عام اثار العديد من علامات الاستفهام والجدل خلال تطبيقه، الأمر الذي يستدعي التريث قليلا وعدم الهرولة والتسرع في عمليات البيع حيث اعتبر قرار تجميد البرنامج وعدم الاتجاه للبيع لمستثمر استراتيجي قرارا صائبا في ظل التجارب السابقة التي صاحبها بيع الشركات والأصول بأقل من قيمتها الحقيقية وما يتبع عمليات البيع من تصرفات غير مقبولة من المشترين من التصرف في الأراضي وعدم مراعاة حقوق العمالة. أكد أن تجربة البيع لمستثمر استراتيجي لم تكن موفقة ولم تحل مشكلة البطالة بل إن مؤشرات الاقتصاد كانت متراجعة فتراجعت الإنتاجية وزادت نسبة التضخم. طالب بأن الخطوة القادمة لابد أن تكون هي إعادة تأهيل الشركات المتبقية خاصة أن معظمها شركات متعثرة وتسعيرها ووضع قيمة مبدئية لها تكون تتناسب مع مكانتها وأصولها. ومن جانبه أكد الدكتور محمد الصهرجتي العضو المنتدب لشركة سوليدير لتداول الأوراق المالية وخبير الخصخصة أنه عند بداية برنامج الخصخصة كان هناك أكثر من 300 شركة وبالتالي كانت البدائل أمام الحكومة متعددة من حيث أسلوب البيع أما الآن وبعد أن تبقي عدد محدود من الشركات أصبحت البدائل محدودة أيضا فاستبعدت الحكومة المستثمر الرئيسي حيث تري أنه من الافضل إعادة هيكلتها ماليا وفنيا وإداريا خاصة أن الشركات التي من المفترض طرحها في البورصة يجب أن تكون ذات أداء مالي قوي لتستطيع توزيع أرباح علي المساهمين. أكد أن الدولة أخذت علي عاتقها إدارة الشركات وتخير الوقت المناسب لطرح شركات ذات أداء مالي جيد ومستقبل واعد.