في تقرير حديث لصحيفة نيويورك تايمز الأمريكية قالت إن دول الشرق الأوسط وشمال افريقيا تواجه مأزق الاختيار، ما بين زراعة الصحراء لتوفير المزيد من المحاصيل الزراعية لسكانها الذين تتزايد اعدادهم وبين الحفاظ علي حصصهم القليلة من المياه. وأشارت الصحيفة إلي أن العديد من دول المنطقة لجأت لمشروعات تعمير الصحراء لتوفير الغذاء، غير أن هذه المشروعات كانت مكلفة للغاية واستهلكت كميات كبيرة من المياه، وظلت في الوقت نفسه غير عملية، حتي أن بعض دول المنطقة لا تزال تستورد 60% أو أكثر من احتياجاتها من الغذاء وهذا ما قاله لنا عريان نصيف المسئول السابق بوزارة الزراعة ومستشار اتحاد الفلاحين حاليا وصاحب عشرات الدراسات الخاصة بتعمير الصحراء وأضاف أن الصحيفة الأمريكية استشهدت بمصر، ومحاولتها لاستصلاح الصحراء الواسعة من أجل توفير المحاصيل الغذائية، وقالت إن مصر حلمت لعقود طويلة بتحويل مساحات شاسعة من الصحراء إلي أرض زراعية خضراء، وجاء المشروع الأكبر الذي عبر عن هذه الطموحات في منطقة "توشكي"، وعندما بدأ استصلاح الأراضي في توشكي عام ،1997 وقارن الرئيس حسني مبارك بين هذا المشروع وبناء الأهرامات حيث كان الهدف من مشروع توشكي استصلاح حوالي 500 ألف فدان من الصحراء ونقل عشرات الآلاف من السكان إليها ولكن لم ينتقل إليها سوي عدد قليل ولم يتم زراعة سوي 30 ألف فدان، هذا ما جاء بالنص في الصحيفة الأمريكية في تحليل لها عن استصلاح الصحراء في مصر والشرق الأوسط. وقال عريان إن الرئيس مبارك بنفسه قال إن النمو السكاني في مصر يمثل مشكلة ملحة، تؤدي إلي تفاقم أزمة الغذاء، حيث إن المعدل السنوي للنمو السكاني يصل إلي 7.1% وقال عريان إن هذا يتطلب ضرورة الانتهاء من مشروع توشكي، وتعجب من تصريح قال عنه إنه من العيار الثقيل خاصة أنه علي لسان د. محمد نصر الدين علام وزير الموارد المائية والري وقوله إنه حتي الآن قامت الحكومة بانفاق مبلغ 7 مليارات جنيه علي مشروع توشكي بينما لم يتم استصلاح سوي 60 ألف فدان فقط. واقترح عريان نصيف علي الحكومة ضرورة مراعاة مجموعة من المحاور في حالة الاصرار علي الاستمرار في هذا المشروع العملاق، وأولها ضرورة تشكيل مجلس قومي حقيقي من كبار علماء مصر في مختلف المجالات المرتبطة به: الزراعة والأرض والمياه والإسكان والاقتصاد لتقييم الجدوي الاقتصادية والاجتماعية له، ثانيا ألا يترتب عليه الاضرار بالأراضي الزراعية الخصبة في الدلتا والوادي من نقص المياه الضرورية لريها، ثالثا أن يتم انجازه بالأيدي المصرية، وتكون ثماره للمجتمع المصري. قضية خطيرة الجهاز المركزي للمحاسبات نفسه برئاسة جودت الملط يصف هذه القضية بأنها خطيرة فالمشروع انفق عليه عدة مليارات دون دراسة جدوي بل أن دراسة الجدوي أعدت في مايو ،1998 بعد بدء تنفيذ المشروع بنحو 17 شهرا، فلقد سبق أن طلب الرئيس أنور السادات من البنك الدولي دراسة المشروع وانتهت الدراسة إلي عدم جدواه فصرفت الدولة نظرها عنه. إحياء المشروع وحول احياء مشروع توشكي يري د. نادر نور الدين محمد الأستاذ بكلية الزراعة بجامعة القاهرة أن المشروع بدأ في يناير عام 1997 بتفاؤل كبير بشأن امكانية تخليق دلتا جديدة للنيل في جنوب مصر تضم نحو 3 ملايين فدان صالحة للزراعة منها 540 ألف فدان جاهزة للزراعة الفورية التي سوف تتمتع بميزة لا تتمتع بها حتي الأراضي المصرية القديمة وهي ريها مباشرة من مياه بحيرة السد التي تعد مياهها هي الأفضل في مياه جميع أنهار العالم حيث لم يصل إليها التلوث الحادث علي امتداد مجري النهر، وتحت هذه الظروف بدأ التخطيط لزراعة هذه المنطقة بإنشاء محطة الرفع العملاقة اللازمة لرفع مياه بحيرة السد لنحو 52.5 متر عن طريق 18 طلمبة أساسية وثلاث احتياطية إلي الترعة الرئيسية التي تمتد بطول 51 كم ثم تتفرع بعد ذلك إلي أربعة أفرع وتوفر المياه العذبة لري زمام نصف المليون فدان الأولي والتي رصد لها نحو 5.5 مليار متر مكعب من المياه سنويا. نموذج جيد