مازلت أتذكر الستة آلاف جنيه، حيث كان المبلغ مدخرا لقضاء الصيف في سيدي عبدالرحمن، ولكن عماد الدين أديب فتح أمامي بابا جديدا وهو أن أقدم أثناء اجازته السنوية برنامجا علي الهواء.. وكانت التجربة مفيدة ومثيرة وتعلمت منها فن الجلوس أمام الكاميرا وكانت النتيجة تشير إلي أن الشهر هو يولية ،1996 وتجرأت وأخذت النقود المدخرة لأشتري أول كمبيوتر يدخل بيتنا ولكن ما إن جلست إليه حتي كانت الاشعاعات التي تخرج من شاشته تصيب عيني بالزغللة وهكذا تحول الكمبيوتر إلي لعبة لأبنائي. وعندما قيل لي انهم اخترعوا كمبيوتر جديدا في حجم الكتاب أسرعت كي أدخل جمعية وأشتري الكمبيوتر الجديد الذي لا تخرج من شاشته أية اشعاعات وبدأت في التعلم عليه بصبر شديد وأخيرا مرت 6 أشهر وكتبت أول مقال لي علي الكمبيوتر مباشرة كي أرسله إلي "العالم اليوم" ثم مقالا آخر ل"روز اليوسف" ومنذ عام 1997 لم أعد أعرف الكتابة بالقلم وطبعا تعرضت لمواقف غاية في السخف، مثل ضياع المقال بأكمله من ذاكرة الكمبيوتر ومثل احتراق الكمبيوتر نفسه بعد عام كامل، ولكن كل العقبات تهون أمام التعامل الفوري من المخ إلي الأصابع إلي شاشة الكمبيوتر. ثم جاء زمن الانترنت وبدأت التواصل عبره مع اصدقائي الذين أحبهم، خاصة رفقاء الصبا والشباب الذين هاجروا بعد هزيمة 1967 إلي الولاياتالمتحدة ليبدأ كل منهم مشروعه الفردي، منهم من نجح ومنهم من أصابه الفشل، ولكن الرائع فيهم جميعا هو إحساس كل واحد منهم بقيمة الصحبة، فمن فشل فيهم ساعده من لم يفشل.. وهكذا ظلت الصحبة وفية وفيها من التجاور والمحبة الكثير والكثير، بل منهم من وقع في أنياب الكحول وأدمنه، ولكن الشلة وهم في أغلبهم أطباء أنقذوا من وقع في هذا المطب وخرج منه ليكمل الماجستير والدكتوراه ويدرس بالجامعة. لم نسأل يوما عن الدين وملأنا الحب لأيامنا ولما امتلكناه من كتب وروايات واسطوانات موسيقي كلاسيكية. وكانت لي رحلة سنوية لزيارتهم، فأجد تحت سلم الطائرة أكثر من صديق منهم، وعندما يستحيل السفر يقوم الكمبيوتر بتقريب المسافات وآخر الإعجازات هو رؤية صورة من أتحدث معه، وقد أفادتني تلك الحكاية كثيرا عندما عمل ابني الكبير في تلفزيون الحرة الأمريكي، وكنت أتحدث معه ومع ابنه وبنتيه يوميا.. إلي هذا الحد انعدمت المسافات وبقي منها فروق التوقيت. ولذلك فما إن يأتي شهر ديسمبر من كل عام حتي أتذكر كيف كان أول مقال أكتبه علي هذا الساحر الحبيب، وكم تحملت معه من متاعب جهلي ولكني كنت أعالج الجهل بمزيد من التعلم، وها نحن ندخل عصر الآي باد، وأنا في انتظار آي باد تنتجه شركة توشيبا، ولكن قيل لي إنها لا تفكر في ذلك، فتساءلت: كيف نثق إذن في صيانة ما بعد البيع؟ ويا عزيزي مدحت العربي المدير المسئول عن توشيبا الالكترونية في مصر المحروسة، قل لي متي تنتجون الجهاز الجديد؟