أظن أن الملكة كليوباترا قد أخذت من خيالي الكثير، لا لأن هناك مسلسلا غير عادي قد بدأ عنها في رمضان بطولة النجمة التي أحبها كثيرا وهي سولاف فواخرجي، ولكن لأني سكندري الميلاد وأعلم يقينا أن حي كليوباترا أخذ الكثير من أحلام الزمن القديم أيام أن كنت شابا، حيث لم يكن يسكنه إلا بعض من خلاصة صفوة الإيطاليين واليونانيين وكنا نشعر طوال الوقت بمدي محبتهم لأهل الإسكندرية، وحين كنا نقتحم تكبرهم علي أهل المدينة كانوا يكشفون لنا عن الأعماق الطيبة المحبة لأهل الإسكندرية، وأن هذا التكبر ليس ابنا للتعالي، ولكنه ابن للخوف من رفض أهل المدينة لهم. ويأتي رمضان هذا العام ومكتبة الإسكندرية التي أسسها البطالمة من آباء السيدة كليوباترا تتألق في القلب والوجدان، ولذلك كان لابد من متابعة هذا المسلسل الذي رأيته جميلا إلي أن قال زاهي حواس كلمته القاطعة بأنه لا فرق بين أسلوب إعداد هذا المسلسل بملابسه وديكوراته وبين كتابة مسلسل عن "زوبة الكلوباتية"، وقد يبدو التشبيه صعبا وقاسيا، ولكنه إن جاء من رجل يحترف في الأعوام الأخيرة رحلة البحث عن مقبرة كليوباترا وقصورها وملامحها، فهنا يجب أن نسمع ونلتفت، وكنت أتمني أن يحصل نص هذا المسلسل علي موافقة المجلس الأعلي للآثار، وأن يستفيد أصحاب المسلسل من خبرة أهل العلم بدلا من صرف الملايين علي شكل خيالي لا يناسب تجسيد تاريخ حقبة رائعة من تاريخ مصر . وفي كل الأحوال أستطيع أن أطالب هنا د.زاهي حواس أن يؤلف كتابا عن تفاصيل حياة كليوباترا كما حدثت بالفعل لأنه بحكم تمكنه البالغ من الكتابة بالإنجليزية بجانب إتقانه للكتابة بالعربية، فضلا عن توسعه غير التقليدي في دراسة جميع عصور مصر التاريخية، هنا يمكن أن نمتلك تاريخا حقيقيا للملكة العملاقة التي أذابت عواطفها في خدمة بلادها، وكان جمالها هو رسول إخضاع صولجان روما لها، سواء من خلال قصة حبها مع جوليوس سيزر أو مع مارك أنطوني، وكل من القصتين تمتلأن بحكايات عن دسائس البلاط وعن قسوة التوهج من فوق العرش . في انتظار إنقاذ كليوباترا من أن تظل في الذاكرة كزوبة الكلوباتية، ولن ينقذها من هذا المصير إلا رحلة بحث جديدة عن تاريخها يكتبها الموهوب زاهي حواس . منير عامر