"من المهم أن تكون مؤمنا بما تفعل، وأن تتحمل الآلام الناشئة عن اختياراتك، لأنك أيضا استمتعت بما اخترته". الكلمات السابقة ظلت في رأسي قرابة عشر سنوات بعد أن خرجت من فم الأستاذ الدكتور أحمد مرسي أستاذ المسالك البولية بجامعة القاهرة وكان ينظر من شباك عيادته بمستشفي قصر العيني الفرنسي.. وكانت الأشعة قد أظهرت عددا لا بأس به من الحصوات الملحية بإحدي كليتي، وفي الكلية الأخري حصوة بلورية. وطبعا كنت أعرف أن الحصوات تتكون إما بالبقاء لساعات طويلة دون تصريف المثانة للانشغال بالعمل أو بالتواجد في أماكن ليس به دورات مياه، وإما بالإسراف في احتساء القهوة.. وكنت أعاني الأمرين معا، وهكذا جاءت النتيجة في شكل حصوات بالكلي. كان ذلك من أكثر من عشرة أعوام.. وقام الطبيب العظيم بمحايلة حصوات الملح حتي ذابت وتفتتت تلقائيا، أما الحصوة البلورية فقد قال عنها إنها كالسيارة المعطلة بميدان التحرير، يمكن لبقية السيارات أن تمر دون إزعاج كبير. ومنذ ذلك التاريخ صار اهتمامي عاليا بكل ما يخص المسالك البولية، خصوصا أني كنت قد نسيت نوبة من المغص الكلوي القاتل التي داهمتني منذ عشرين عاما أو أكثر؛ ولذلك صار الحرص واجبا. راقبت الأستاذ الدكتور أحمد مرسي في تفاصيل عمله عن بعد، وعرفت كيف يكون الطبيب خاشعا متبتلا في خدمة الفقراء، وفي نفس الوقت لا ينسي علي الاطلاق تطوير نفسه بالجديد من البحث. وعندما يأتيني واحد يحمل أدني شكوي من الكلي، أطلب منه الذهاب فورا إلي هذا الطبيب النادر. وبما أن من أعرفهم من الأثرياء قليلون، وما أعرفهم من الفقراء يزيدون بطبيعة الحال علي عدد شعر رأس سكان الكرة الأرضية؛ لذلك أخجل حين أرسل له العديد من الفقراء، وأسند خجلي بقولي "هم من عشاق سيدك وسيدي محمد بن عبد الله صلي الله عليه وسلم"، ولأنه يعيش دائما في محبة الله والنبي صلي الله عليه وسلم، فهو يقدم لهم ما يستطيعه من علم. ودائما أردد: "كم طبيبا مثلك يا دكتور أحمد؟"، وأحمد الله أن عدد هؤلاء الأطباء دائما في زيادة عندنا نحن أهل المحروسة التي ارتفعت فيها أسعار العلاج وتاهت فيها قرارات العلاج علي نفقة الدولة.. ولم يعد أمام العديد من المصريين سوي الوقوف أمام عيادات قصر العيني وهي كثيفة العدد، تحتاج إلي مزيد من التبرعات. ولكن لا يوجد متبرعون بقدر احتياجات تلك العيادات للأسف الشديد.