بعد أيام قليلة تأتي الذكري الثالثة للانقلاب الذي نفذته حركة حماس في قطاع غزة التي عرفت هذه الخطوة بالانقلاب علي الشرعية والحسم العسكري، وكانت تلك نقطة فارقة في مسار القضية الفلسطينية فقد اتسمت فترة حكم حماس في المناطق الفلسطينية بالكثير من الاضطرابات ووصلت هذه الاضطرابات إلي حد الاشتباكات المسلحة في قطاع غزة بين مناصري حركتي فتح وحماس، وبين حركة حماس وبعض التنظيمات السلفية الصغيرة المتشددة وأحيانا أخري بين حماس وحركة الجهاد الاسلامي المؤازر للحركة والحليف لها استراتيجيا وسياسيا. الاضطرابات الميدانية والسياسية التي شهدتها منطقة حكم حركة حماس لم تكن فقط علي هذا المستوي، بل شهد قطاع غزة تغيرات اجتماعية ملموسة ففي الوقت الذي تنفي فيه حركة حماس سعيها لتطبيق الشريعة الاسلامية في القطاع، نجد أنها اغلقت العديد من محال الترفية والإنترنت والخمور، وفرضت الحجاب في دوائر العمل مثل حقل المحاماة، وهناك عداء واضح يتنامي ويتوسع تستهدف فيه الأقلية المسيحية الصغيرة القائمة في قطاع غزة وهو أمر مستجد علي المجتمع الفلسطيني ولم يكن له وجود فيما مضي سواء أيام الاحتلال أو فترة حكم السلطة الفلسطينية قبل الانقلاب ورغم أن حركة حماس تحاول تجميل صورتها، وتزين فترة حكمها غير أن الممارسات اليومية تؤكد غير ذلك، فظاهرة انتشار ميلشيات الحركة في شوارع القطاع بمناسبة وغير مناسبة لاثبات أنها مركز قوة وتذكير المواطنين دوما بحضورها ووجودها كقوة وحيدة، هذا بالاضافة إلي التوترات المستمرة وانعدام الامان الذي تدعي عكسه فمن حين لاخر يتم هجوم هنا أو هناك سواء علي مناسبات اجتماعية مثل حفلات الافراح وغيرها، مرورا بنشاطات ترفيهية وتثقيفية كان آخرها الهجوم الذي اقدم عليه ملثمون وإحراق أكبر مخيم صيفي تقيمه وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين الاونروا لاستيعاب الطلاب الفلسطينيين خلال الصيف، ويقع المخيم في منطقة علي شاطئ البحر في مدينة غزة. وربما ترافق هذا التطور في أعقاب حملة تنديد واسعة قامت بها بعض الاوساط الدينية في قطاع غزة ضد مشروع برامج المخيمات الصينية التي تنظمها الاونروا، فقد اتهمت هذه البرامج بالسعي للمس بقيم الشباب الفلسطيني وتشجيع الاختلاط بين الجنسين ووزعت جماعة تطلق علي نفسها "أحرار الوطن" منشورا تضمن انتقادات لاذعة لبرامج المخيمات الصيفية يزعم أنها تتضمن تعليم الفتيات الرقص والسباحة، بل وهاجم البيان بشكل شخصي مدير عمليات الاونروا جون جينج الذي اتهمه بالسعي لتخريب أخلاق الشباب الفلسطيني. هذا الحادث يعكس مدي التطرف الذي أصاب الجنوب الفلسطيني، فأصبح قطاع غزة وكرا سخيا لتفريخ الجماعات الدينية المتشددة، كما أنه يعكس نوعا من العنصرية والتطرف وهجوما علي سعادة الأطفال وتطورهم في ظل ظروف صعبة وقاسية يعاني منها سكان القطاع بالإجماع، وما يحدث من تصاعد لهذه الأعمال وتأثيراتها المختلفة علي حياة الناس إنما ينذر بكارثة اجتماعية حقيقية إذا لم يتم تداركها سريعا ويكفي أن يكون قطاع غزة في المرحلة الحالية قنبلة موقوتة تغذيها حالة من الغضب والاستياء نتيجة لما وصلت إليه الأحوال الاجتماعية والسياسية وتردي الأوضاع الاقتصادية، وسياسة القمح الممارسة بحقهم بدءا من تحريم الحفلات الموسيقية والتبرج وانتهاءا بعض الضرائب المرتفعة وآخرها كانت ضريبة علي السجائر والتي أثارت غضبا واضحا في الشارع الفلسطيني، خاصة أنها تهدف إلي تحصيل عائد لدعم الحكومة المقالة التي تعاني أزمة في ادخال الأموال إلي القطاع، بعد انخفاض حجم هذه الأموال المحولة، وتجفيف منابع التحويل، وبالذات بعد الاجراءات التي اتخذت في أعقاب كشف شبكة التجسس التي استخدمها حزب الله في مصر نهاية عام ،2008 وتشديد الرقابة علي أعمال الصرافين الذين باتوا يقللون الآن من عقد الصفقات في القطاع، فضلا عن تشديد مصر النشاط ضد تهريب السلاح علي الانفاق إلي غزة، بشكل قلص أيضا تهريب البضائع إلي القطاع. وفي الأونة الأخيرة يشهد قطاع غزة حالة من الاعتقالات السياسية الأخذة في الارتفاع، ولم تعد ينظر إليها علي أنها إجراءات انتقامية لاعتقال نشطاء حماس من قبل مسئولي فتح في الضفة الغربية، لكنها أصبحت تندرج تحت عنوان "القمع هو شامل". ولم يكن القمع أو الفقر أو فقد الحريات هو العنوان الوحيد لهذه المرحلة بل إن ظاهرة التسول والتي لم تكن بهذا الحجم في قطاع غزة، ازدادت بشكل كبير لم تصل في يوم من الأيام إلي الحجم الذي هي عليه الآن، وتتمركز أماكن المتسولين في أماكن محددة كالبنوك والتي تعتبر مناطق استراتيجية لهم يتنافس عليها المتسولون والمتسولات وتشكل المساجد وتحديدا الكبيرة منها وتلك الموجودة في مناطق يسود انطباع بأن سكانها من ميسوري الحال، ولا يكتفي