في أسبوع واحد فقدت اثنين من الأصدقاء لأسباب متشابهة وفي ظروف تكاد تكون مماثلة، فقد تعرضا لأزمات صحية حادة تمثلت في الأول في متاعب مع القلب، والثاني في مشاكل مع الكبد، واستلزم الأمر ضرورة إجراء عمليات جراحية دقيقة لهما بإحدي المراكز الطبية الاستثمارية الضخمة بالقاهرة علي ان يقوم بإجراء هذه الجراحات أطباء عالميون زائرون اعتادواالقدوم لمصر بين الحين والآخر من أجل هذا النوع من الجراحات الدقيقة. وأجريت لكل واحد منهما جراحة طويلة لعدة ساعات، خرج بعدها الاطباء يعلنون بسعادة أنهما قد أديا ما عليهما وان كل مريض في مقدوره مغادرة المستشفي ومعاودة حياته الطبيعية بعد أيام قليلة. وظهرت ملامح التحسن واضحة علي كل مريض منهما وتفاءل الأهل والاصدقاء خيرا، فقد مرت مرحلة الجراحة الصعبة ولم يعد متبقيا إلا مرحلة التمريض والتأهيل. واطمأن كل جراح إلي نجاح عمليته وسافر إلي بلاده مع الفريق الطبي الذي يلازمه والذي كان يتابع الحالات بعد الجراحة معه. وما هي إلا أيام قليلة حتي ساءت وتدهورت حالة المريضين، وتضاربت أقوال الاطباء الذين يتابعونهما حول اصابة إحدهما بميكروب في الصدر وهو في غرفة العناية المركزة، وحول ضعف المناعة لدي الآخر، والكثير من الاسباب والمبررات التي لم تكن مقنعة أولها ما يدعمها. وقبل ان يبدأ الاهل والاقارب رحلة السؤال عن أسباب هذا التدهور كانت إرادة الله أسرع وانتقلا إلي الرفيق الاعلي. وكان من المؤلم لدي أسرة أحدهما عند قيامها باستلام الجثة وتغسيلها ان بها قروحا كثيرة في كل مكان في جسده وهي المعروفة بقرحة الفراش، وهو ما يعني ان فريق التمريض الذي تابع حالته لم يكن مهتما كثيرا بتوفير "مرتبة" خاصة للذين يضطرون للنوم علي السرير فترات طويلة حتي لا يصابوا بهذه القرحة المؤلمة. وما حدث يعكس بكل وضوح وجود أزمة تمريض هائلة لدينا في كل المستشفيات، سواء كانت استثمارية أو عامة، وهي أزمة ناجمة عن ضعف في التدريب، وعن قصور في مفاهيم العمل الانساني، وعن تمرد داخلي علي المهنة التي لا يعتقدون انها تنال ما تستحق من تقدير مادي ومعنوي. ولكنه يعكس، وهذا هو المهم أزمة صحية خطيرة وهائلة في بلدنا تتمثل في فشلنا في تأمين نجاح عمليات الكبد، وهي عمليات أصبحت ضرورية ومطلوبة ومهمة ومتكررة نتيجة لاصابة ملايين من المصريين بالتهاب الكبد الوبائي "فيروس سي"، وهو ما يعني حاجتهم بعد فترة إلي إجراء جراحة كبد. اننا لا نتحدث عن حالة أو حالتين لم يكتب لهما الحياة نتيجة لاخطاء في المتابعة والتمريض، ولكننا نتحدث عن قضية صحية خطيرة هي من الأولويات، والأولويات العاجلة جدا.