يقف العاطلون الأسبان هذه الأيام في طوابير طويلة أمام مكاتب التشغيل في مختلف مدن أسبانيا.. وتقول مجلة "الأيكونوميست" إن طوابير طالبي العمل خاصة من الشباب لم تكن بهذه الدرجة من الطول أبدا في أي وقت سبق ولأول مرة منذ إلغاء الخدمة العسكرية الإلزامية في عام 2010 عادت قوات الجيش لتكون كاملة العدد حيث أصبح حمل السلاح والمخاطرة بالتعرض لكمائن القنابل المتفجرة علي الطرق الأفغانية هو أحد الحلول البديلة أمام 4 ملايين أسباني يعانون الآن من البطالة ورغم أن مارس من الشهور التي تنخفض فيها البطالة عادة فقد شهد مارس الماضي زيادة واضحة في عدد العاطلين صحيح أن هذه الزيادة لم تتجاوز 36 ألف عاطل جديد وهي أقل من الزيادة التي سبق أن حدثت في مارس 2009 إلا أنها في نهاية الأمر قد دفعت معدل البطالة الأسباني لكي يقترب من 20% حاليا. ولعلنا نذكر عندما بدأت البطالة في الزيادة منذ 18 شهراً أن رئيس الوزراء الاشتراكي خوسيه لويس رودريجيز زاباتيرو قد أعلن عن توقعه بعودة التعافي إلي سوق العمل الأسباني مع نهاية عام 2009 ثم عاد ليقول إن التعافي قد يتأخر حتي نهاية عام 2010 ولكن البنك المركزي يري أن تعافي سوق العمل في أسبانيا لن يبدأ قبل النصف الثاني من العام القادم 2011 حيث سيكون معدل البطالة قد وصل فعلاً في ذلك الحين إلي 20% سنويا أو أكثر. ولا أحد علي أية حال يستطيع أن يخفي أن الأسبان قلقون حيث يري 42% منهم أن البطالة قد أفسدت حياتهم المعيشية وهناك بالفعل نحو 3،2 مليون أسباني يتقاضون إعانة بطالة من بينهم أكثر من 400 ألف متعطل منذ مدة طويلة لا يتقاضي الواحد منهم سوي 426 يورو (570 دولارا) كإعانة بطالة شهريا وسوف تزداد هذه الأعداد بعد عامين أي مع بدء سريان قانون تعويضات البطالة الأكثر سخاء والذي يحسب التعويض علي أساس من الأجر الفعلي الذي كان يتقاضاه الشخص قبل تعطله وفيما يخص المهاجرين الأجانب في أسبانيا فإن الأمور أكثر سوءا وكذلك الحال بالنسبة للشباب حيث إن نسبة المتعطلين تحت سن 25 عاما تناهز 40% أي ضعف المعدل السائد لبطالة الشباب في البلدان الأوروبية الأخري الأكثر تضرراً من الأزمة العالمية ويقول سباستيان مورا السكرتير العام لجمعية كاريتاس الخيرية للروم الكاثوليك إن الأمور وصلت إلي درجة مؤلمة وأن عدد من يتلقون العون من جمعيته قد تضاعف خلال العامين الأخيرين. وتجدر الإشارة إلي أنه عندما اقتربت أعداد العاطلين من رقم 3 ملايين في نهاية عام 2008 قال أحد كبار قادة النقابات العمالية إن ارتفاع هذا الرقم إلي 4 ملايين سيؤدي إلي اندلاع ثورة اجتماعية وبالمثل توقع الكثير من القادة المحافظين وقوع أعمال شغب في الشوارع الأسبانية ولكن شيئا من ذلك كله لم يحدث علي الرغم من بلوغ عدد العاطلين 4 ملايين شخص وحتي معدلات الجريمة لا تزال منخفضة نسبيا علي الرغم من التراجع في أعداد رجال الشرطة الجدد ومما يذكر هنا أن كل وظيفة جديدة في الخدمة الشرطية يتقدم لها 30 شخصا في الوقت الراهن. وتقول مجلة "الأيكونوميست" إن أهم أسباب خيبة هذه التوقعات المتشائمة أن أسبانيا تاريخيا كانت لديها قدرة خاصة علي تحمل آلام البطالة لأن الروابط الأسرية القوية تخفف من هذه الآلام ويقول أنصار رئيس الوزراء زاباتيرو إن له شخصيا ياد بيضاء في تخفيف آلام البطالة لأنه هو الذي أصر علي زيادة الإعانات التي يحصل عليها المتعطلون برغم أن ذلك أدي إلي زيادة العجز في الموازنة الحكومية أضف إلي ما تقدم أن وجود اقتصاد "أسود" أو غير قانوني مزدهر قد أسهم هو الآخر في تخفيف آلام البطالة. وتقول نقابة مفتشي الضرائب الأسبان إن حجم الاقتصاد الأسود يناهز 23% من جملة الاقتصاد الأسباني (إجمالي الناتج المحلي) وأنه حقق معدل نمو بلغ 0،7% في العام الماضي بينما كان الاقتصاد الأسباني في مجمله ينكمش بمعدل قياسي بلغ 3،1% خلال نفس العام ويعد الاقتصاد الأسود بمثابة قوة جذب لمن يتلقون إعانات بطالة سخية فهم عادة يفضلون عدم العودة إلي العمل الرسمي ليتمتعوا بالجمع بين إعانة البطالة والدخل الذي يحصلون عليه من مشروعات الاقتصاد غير القانوني حتي ينتهي أجل العامين الذي حدده القانون لاستحقاق إعانات البطالة الحكومية.